أيها الزائر قبري .... أتل ماخط امامك

Saturday, March 11, 2006

سر حفار القبور

الميت مات ..... 0
______________________
أيام لم أحياها .. لكني تخيلت فيها تلك الكلمات ...... 0
______________________
ر(قنديل) .. جدك مات"
صوت أمي الصارخ يوقظني بعنف .. يديها الباردتين تلطماني في هستريا
"جدك مات يابن اليتيم"
______________________
غرق الجد في النهر ... الأب يحاول انعاش الجثة المبتلة الزرقاء ,ثم تدمع عيناه ويردد عبارات الاسترحام
(يارب رد فيه الروح ... أنا من غيره أضيع)
______________________
لم أر جدي أبدا .. لم أسمع عنه سوى حكايات جميلة عن ثرائه الفاحش , والنعيم الذي كان يرفل فيه أبواي , نعيم لم أشمه قط .. ولم ألمس منه سوى سيرة أيام مجيدة ولت يوم مات ... اكتشف أبي أن ثروة جدي العظيمة مرهونة ... لكني لا أفهم لأني قد ولدت فقيرا .. ولازلت صغيرا ... لاأعلم أين ذهبت جثة جدي ... الفقر وذكرى الموت يؤلمان أبي وأمي ... أمي التي لم يرحمها أبي من نظرة تأنيب هائلة وهو يردد (انت السبب ياملعونة) ... لا أفهم ... التفكير يصيبني بصداع الناضجين الحائر ... بينما أختي (هديل) تكاد لاتفقه قولا .. تضحك أحيانا في بلاهة تثير الغيظ
بدأ العنكبوت يغزل خيوطه على باب حجرة جدي ...لماذا لم أدخل غرفته أبدا؟ انني أهابها كالموت.. لماذا أخشى الموت هكذا مع أني أجهله؟ الكلمة نفسها كئيبة مقبضة ...حتى أحلامي....... 0
______________________
أصوات هامسة كالفحيح تردد بلا توقف
"الميت مات ... الميت مات ... الميت مات"
أصابع تعبث بوجه (قنديل) من خلف الملاءة ... هواء بارد ... اضاءة خافتة تنبعث من خلف حجرة الجد ... يبدو أن بابها يفتح ...بالتأكيد لازالت الجثة بالداخل ..... متى تختفي الجثة؟
"شيلوا الميت لما مات"
يابن اليتيم
"الميت مات .. الميت مات ... الميت مات"
______________________
أنهض مفزوعا ... أوقظ (هديل) متسائلا عن الأصوات التي ملأت عالمي ... تنكر في برود لا مبالي وتتثاءب ... صفعتها تلك الغبية
"جاوبي يابنت الكلب"
تصرخ ...أكمم فمها كي لاتوقظ أبي ... وأضربها بوحشية تدمي الجلد الناعم ... الاّن فقط أحس الراحة ... تأوهها المكتوم ونحيبها جعلا قلبي ينتشي , أتركها مهشمة عندما يدركني التعب ...أهددها بالقتل ان أثارت الضجيج الشاكي ... لازالت الأشباح تقتحم أحلامي ... ولازلت أحطم عظام (هديل) في سعادة مريضة .... تستأهل ... لم أحيا انا فقط خائفا معذبا قلقا ؟!! لسوف ترى ... 0
______________________
(ما أنا بباسط يدي اليك لأقتلك)
______________________
(هديل) بنت شاطرة ..... ليتك مثلها يا(قنديل)
ر(هديل) .... انها ثعبان يكرهني
______________________
( اني أريد أن تبوء باثمي واثمك فتكون من أصحاب النار)
______________________
اليوم حبستها في غرفة مظلمة يفوح منها العطن ... وبحبل قيدتها ثم كممتها بقماش سميك .. لاأريد أن أشغل احدى يدي بتكميمها ..أريد يداي حرتان ... أنهال ضربا بالاثنين ... استشعر تفجر دماء لاأراها ... لابد أن تلك اللكمة قد حطمت بعض أسنانها ... أمسك رأسها وأصدمه مرارا بالأرضية ... أحاول ثني ركبتيها بالاتجاه المعاكس وأحيانا أقوم بعضها في مناطق شتى ... الصراخ من خلف قماش اّمن جعلني أزيد التعذيب
بدأ الصراخ المكمم يهدأ تدريجيا .. والحركة العنيفة تسكن .. لم تعد الضربات تحدث أثرا
" ردي ياجزمة"
توقفت عن ضربها .. أهزها علها تفيق .. أضع راسي على صدرها منتظرا أي حركة حياة واهية
لاحركة .. لاتنفس ..... لاحياة
جلست بجوار الجثة الساخنة مرتعدا ... تركت الحبل والقماش محكمين , هاجس يخبرني دوما أن (هديل) قد تنهض , قد تنتقم .. أولم تلق مصير جدي؟ ... أين ذهب جثمانه ؟ ... وماذا أفعل بجثمان هديل اذا ؟ لن يدخل أحد تلك الغرفة أبدا حتى أخفي أثر جنوني ... من يخفيني عن نفسي؟ ... أدركني ياربي
______________________
وعندما عرفت من أحد الصالحين كيف أواري الجسد بالتراب ... عرفت يومها أين ذهب جدي ..... 0
عرفت الاّن كيف أخفي الجثث .... وصارت تلك مهنتي التي منها أحيا وأتكسّب
وكانت أول جثة أدفنها ..... جثة (هديل) 0
______________________
لا أدري لم أدمنت الخمر؟ لم أصبحت الدنيا المشوشة و وظلال الناس الباهتة والدوار الذي يجعلني أتقيأ دوما ... لم أصبح كل هذا جزءا مريحا من عالمي؟
منذ متى صار تصيد الساقطات في الطريق هوايتي الأثيرة ؟
لا أذكر تحديدا ... لكني أكيد من تلك العربدة ... أتواعد مع فتيات الليل نهارا .. وادفع الثمن مقدما .. ذاك الثمن الذي أناله من مهنتي الكئيبة ... وفي المساء , أعد زجاجة خمر تكون ثالثة جلسة اللذة المبينة ... وعندما أصبح بين ساقي عاهرتي الأجيرة ...... 0
قنديل .... حرام عليك
عندها فقط ... اتذكر (هديل) ... أنظر لوجه الساقطة المنتشي , لكني أراه يصرخ ألما واستعطافا
اخرسي يابنت الكلب
وبيدي أعتصر رقبة (هديل) ... هكذا لن يخرج صوتها ... أزيد الضغط , والصوت يخفت , تلطمني بيأس ... أعتصر اكثر... الصوت يغيب ... أعتصر ... أخرسي .. اظفر ينغرس في لحم وجهي .. وصوت حنجرة تتحطم .. أعتصر .. و.... 0
______________________
لم تجعلني الخمر أنسى ماأفعله اليوم والبارحة وغدا ... قتلت (هديل) ألف مرة بين أحضان كأس وشقية لعوب .. لكني لم أعد أخشى الجسد المسجي .... صرت أعرف كيف أخفيه .... اعتقد أحيانا أني قتلت كل عاهرات الأرض .... لكنهن - على ماأرى - يتوالدن كالذباب
لم تنسني الخمر يوما ... لكن دفن الجثث الطازجة قد فعل
______________________
لكنني بكيت مرة أو أكثر حزنا على (هديل) .... حسبت الدفن والنسيان نعمتين ... ليتني لم أدفنها... ليت جثتها ظلت في العراء ... ليت شبحها ظل حيا يطاردني ... لكنني - وقد تذكرت - ضحاياي الاّخرين ... حمدت ربي على مهنتي ... فماكنت لأظل حيا سليم العقل وأنا مطارد بظلال دامية
الدفن .. والنسيان ... لايحزناني دوما ... فقط حسبتهما نعمتين
______________________
ويظل حفر القبور مهنتي ... أطمع يوما في فك رهن ثروة جدي ... ربما يقربني حفر القبور من هذا يوما
يوما ما سيكون لي زوجة وأبناء .... وستظل حياتي السرية الأخرى لغزا مدفونا في احضان الخطيئة, فلا أملك منع نفسي عن التوقف ... سأستمر في دورة الحياة والألم والنسيان ... فأنا الحفيد الباقي لحمل اسم العائلة ... أما (هديل) ... ربما أفتقدها لكن موتها أراحني .. كانت تكرهني مع اّخر أنفاسها ( ربما لو ظلت حية لقتلتني) ... لكن هذا لا يهم الاّن
سأذكرها من حين لاّخر
______________________
وعرفت أن (هابيل) رجل بلا ذرية.....
وعرفت أننا جميعا من نسل (قابيل) 0

Thursday, March 02, 2006

تعليقات على تعليقات البوست السابق

أثارت التعليقات على البوست السابق ردود أفعال واسعة المدى (عندي أنا بس طبعا) لأنها تركت انطباعا أني أتحدث عن مشكلة شخصية ومعاناة واقعية حدثت لي بالفعل ... فخرج البوست عن هدفه الأصلي وهو محاولة متواضعة لتتبع أسباب انهيار المؤسسة الصحية في مصر على حلقات , وتحول الى صفحة للشحاتة واتبرع ولو بتعليق ..لأن تعاطفك لوحده مش كفاية
لهذا سأضع بعض النقط على الحروف قبل مانرد سوا على التعليقات التي أشكركم عليها بشدة لأن واضح ان فيه ناس غير الأطباء تهتم بهذا الموضوع المؤلم المنيل الغارق في البنج والبتدين
بعض النقط على الحروف: - 0
لاعلاقة لي بقصة الدكتور المشتاق لأن نصفها الأول لم يحدث لي .. ونصفها الثاني لم يحدث من أصله ... أنا بالفعل لازلت في مرحلة التكليف .. وبالفعل اكرهه لأنه مرحلة انعدام هوية للطبيب لكني - غير بطل القصة تماما - أحب الطب وأفكر في تخصص ودراسات وأفلام سودة أخرى .. ثم اني لم أبني أحلاما على سلم وعود زيادة الأجور ,ولا أعمل بصيدلية ولا مررت بأوديسا الخطوبة المريرة ولاأقرأ الأهرام الرياضي ولاأشرب سجاير أساسا, ولم أهرش مؤخرتي لحظة كتابة البوست (عشان تكونوا في الصورة يعني) لكن تلك الشخصية يوجد الكثير منها في الواقع .. صعب اتجاهلها وأتكلم عن الدكاترة المرتاحين الملظلظين بشدة والذين (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) 0
ردود على التعليقات :- 0
دكتور مع وقف الشغل والنفاذ ... بتحرجني بذوقك وتعليقك على كل البوستات , يارب أفضل عند حسن ظنك
بالنسبة لل plab
هو حل معقول لكن (اذا كنت بتفكر فيه) لاتنسى انه لايضمن فرصة عمل في انجلترا , ولاتنسى امتحان اللغة الأسطوري الأصعب من الاختبار الأصلي بمراحل وتنتهي صلاحيته بعد سنتين فقط ... الزمالة البريطانية أفضل , وياسيدي (بلاب) الله واسعة
اّدم المصري ... شد حيلك وماتفكرش في موضوع الشغل دلوقتي لأنك بكدة ممكن تكتئب وماتخلّصش الكلية اصلا ,صدقني دي أرزاق فعلا وبتاعة ربنا ... نفخ الدكاترة للطلبة دة سياسة عامة .. شكرا على تعليقك , وشكرا على اللينك .. بس انت ليه معتبرني غلبان؟
داليا فؤاد ... متشكر جدا , لكن برضه ماردتيش على الأسئلة اللي في نهاية البوست ... هل المرتبات هي الحل ؟ هل التفتيش هو الحل ؟
صاحب الأشجار ... وأنا سعيد بتعليقك , لكن هل مايحزن هو التدوينة أم الواقع الذي اتحدث عنه؟ مافهمتش بصراحة
فنجان قهوة ... زي ماقلت فوق .. انا مش بصرخ وأقول أريد حلا لي أنا ... الموضوع أكبر من دكتور مشتاق .. دي مشاكل مؤسسة من مؤسسات بلد الله يستر عليها
افريكان دكتور ... أعتقد انه مش مناورة قدر ماهو تصريح غير مدروس بكفاءة ... احسبها انت .. ازاي يزود أجور كل الأطباء(حديثي التخرج والمعتقين) بالشكل اللي ذكره (من 200 الى 800.. ليه يعني؟!!) واديك شايف حال البلد؟ ويعني ايه مراهن على العنصر البشري ؟ هوة احنا بننتج ونبيع ونكسب؟ معروف ان مشروع الصحة من المشروعات الشفاطة للفلوس يعني يحتاج لدعم الدولة مش مشروع قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي ... الا لو يقصد ان تحسن مستوى الصحة هايزود معدل الانتاج والنمو فيرفع مستوى الدخل والأجور بما فيها أجور الأطباء ... وساعتها يبقى برضه كلام غير مدروس لأن دة يبقى ضمن خطة طوييييييلة المدى لبناء هرم الاقتصاد و حفر قناة الانتعاش للدخل القومي وان الله مع الصابرين
كل الناس بتقول ان الحل في السفر ... جميل ... لكن حل ايه بالظبط؟ هو حل شخصي يعود بالنفع على الفرد... أنا مش بتاع شعارات ومصر هي أمي وماتقولش ايه ادتنا مصر وأغاني الابتزاز العاطفي السخيفة والفاشلة ... اللي عايز يترك تلك المقبرة يتركها .. حقه بكل تأكيد وملعون أبو من لايقدّر ظروفه وأحلامه ... لكن برضه المشكلة داخل البلد ستظل قائمة لأن العقلية المدبرة والنظام المتحكم في كل المؤسسات (مش الصحة بس) تحتاج الى تعديل جذري وخطير ...أرجع لأسئلتي وراجع ردي على داليا فؤاد (هوة فيه 100 داليا؟) 0
ياسيدي أنا الأسعد ...ربنا يوفقك .. ومتشكر على اللينكات ... كويس والله انك عملت لنك تهافت الدكاترة لأنه ذهب عندي الى الأرشيف
شكرا للجميع ... وربنا يوفقكم جميعا ولايكون من بيننا أمثال صاحبنا المشتاق المتعلق بقشاية
;