الميت مات ..... 0 ______________________ أيام لم أحياها .. لكني تخيلت فيها تلك الكلمات ...... 0 ______________________ ر(قنديل) .. جدك مات" صوت أمي الصارخ يوقظني بعنف .. يديها الباردتين تلطماني في هستريا "جدك مات يابن اليتيم" ______________________ غرق الجد في النهر ... الأب يحاول انعاش الجثة المبتلة الزرقاء ,ثم تدمع عيناه ويردد عبارات الاسترحام (يارب رد فيه الروح ... أنا من غيره أضيع) ______________________ لم أر جدي أبدا .. لم أسمع عنه سوى حكايات جميلة عن ثرائه الفاحش , والنعيم الذي كان يرفل فيه أبواي , نعيم لم أشمه قط .. ولم ألمس منه سوى سيرة أيام مجيدة ولت يوم مات ... اكتشف أبي أن ثروة جدي العظيمة مرهونة ... لكني لا أفهم لأني قد ولدت فقيرا .. ولازلت صغيرا ... لاأعلم أين ذهبت جثة جدي ... الفقر وذكرى الموت يؤلمان أبي وأمي ... أمي التي لم يرحمها أبي من نظرة تأنيب هائلة وهو يردد (انت السبب ياملعونة) ... لا أفهم ... التفكير يصيبني بصداع الناضجين الحائر ... بينما أختي (هديل) تكاد لاتفقه قولا .. تضحك أحيانا في بلاهة تثير الغيظ بدأ العنكبوت يغزل خيوطه على باب حجرة جدي ...لماذا لم أدخل غرفته أبدا؟ انني أهابها كالموت.. لماذا أخشى الموت هكذا مع أني أجهله؟ الكلمة نفسها كئيبة مقبضة ...حتى أحلامي....... 0 ______________________ أصوات هامسة كالفحيح تردد بلا توقف "الميت مات ... الميت مات ... الميت مات" أصابع تعبث بوجه (قنديل) من خلف الملاءة ... هواء بارد ... اضاءة خافتة تنبعث من خلف حجرة الجد ... يبدو أن بابها يفتح ...بالتأكيد لازالت الجثة بالداخل ..... متى تختفي الجثة؟ "شيلوا الميت لما مات" يابن اليتيم "الميت مات .. الميت مات ... الميت مات" ______________________ أنهض مفزوعا ... أوقظ (هديل) متسائلا عن الأصوات التي ملأت عالمي ... تنكر في برود لا مبالي وتتثاءب ... صفعتها تلك الغبية "جاوبي يابنت الكلب" تصرخ ...أكمم فمها كي لاتوقظ أبي ... وأضربها بوحشية تدمي الجلد الناعم ... الاّن فقط أحس الراحة ... تأوهها المكتوم ونحيبها جعلا قلبي ينتشي , أتركها مهشمة عندما يدركني التعب ...أهددها بالقتل ان أثارت الضجيج الشاكي ... لازالت الأشباح تقتحم أحلامي ... ولازلت أحطم عظام (هديل) في سعادة مريضة .... تستأهل ... لم أحيا انا فقط خائفا معذبا قلقا ؟!! لسوف ترى ... 0 ______________________ (ما أنا بباسط يدي اليك لأقتلك) ______________________ (هديل) بنت شاطرة ..... ليتك مثلها يا(قنديل) ر(هديل) .... انها ثعبان يكرهني ______________________ ( اني أريد أن تبوء باثمي واثمك فتكون من أصحاب النار) ______________________ اليوم حبستها في غرفة مظلمة يفوح منها العطن ... وبحبل قيدتها ثم كممتها بقماش سميك .. لاأريد أن أشغل احدى يدي بتكميمها ..أريد يداي حرتان ... أنهال ضربا بالاثنين ... استشعر تفجر دماء لاأراها ... لابد أن تلك اللكمة قد حطمت بعض أسنانها ... أمسك رأسها وأصدمه مرارا بالأرضية ... أحاول ثني ركبتيها بالاتجاه المعاكس وأحيانا أقوم بعضها في مناطق شتى ... الصراخ من خلف قماش اّمن جعلني أزيد التعذيب بدأ الصراخ المكمم يهدأ تدريجيا .. والحركة العنيفة تسكن .. لم تعد الضربات تحدث أثرا " ردي ياجزمة" توقفت عن ضربها .. أهزها علها تفيق .. أضع راسي على صدرها منتظرا أي حركة حياة واهية لاحركة .. لاتنفس ..... لاحياة جلست بجوار الجثة الساخنة مرتعدا ... تركت الحبل والقماش محكمين , هاجس يخبرني دوما أن (هديل) قد تنهض , قد تنتقم .. أولم تلق مصير جدي؟ ... أين ذهب جثمانه ؟ ... وماذا أفعل بجثمان هديل اذا ؟ لن يدخل أحد تلك الغرفة أبدا حتى أخفي أثر جنوني ... من يخفيني عن نفسي؟ ... أدركني ياربي ______________________ وعندما عرفت من أحد الصالحين كيف أواري الجسد بالتراب ... عرفت يومها أين ذهب جدي ..... 0 عرفت الاّن كيف أخفي الجثث .... وصارت تلك مهنتي التي منها أحيا وأتكسّب وكانت أول جثة أدفنها ..... جثة (هديل) 0 ______________________ لا أدري لم أدمنت الخمر؟ لم أصبحت الدنيا المشوشة و وظلال الناس الباهتة والدوار الذي يجعلني أتقيأ دوما ... لم أصبح كل هذا جزءا مريحا من عالمي؟ منذ متى صار تصيد الساقطات في الطريق هوايتي الأثيرة ؟ لا أذكر تحديدا ... لكني أكيد من تلك العربدة ... أتواعد مع فتيات الليل نهارا .. وادفع الثمن مقدما .. ذاك الثمن الذي أناله من مهنتي الكئيبة ... وفي المساء , أعد زجاجة خمر تكون ثالثة جلسة اللذة المبينة ... وعندما أصبح بين ساقي عاهرتي الأجيرة ...... 0 قنديل .... حرام عليك عندها فقط ... اتذكر (هديل) ... أنظر لوجه الساقطة المنتشي , لكني أراه يصرخ ألما واستعطافا اخرسي يابنت الكلب وبيدي أعتصر رقبة (هديل) ... هكذا لن يخرج صوتها ... أزيد الضغط , والصوت يخفت , تلطمني بيأس ... أعتصر اكثر... الصوت يغيب ... أعتصر ... أخرسي .. اظفر ينغرس في لحم وجهي .. وصوت حنجرة تتحطم .. أعتصر .. و.... 0 ______________________ لم تجعلني الخمر أنسى ماأفعله اليوم والبارحة وغدا ... قتلت (هديل) ألف مرة بين أحضان كأس وشقية لعوب .. لكني لم أعد أخشى الجسد المسجي .... صرت أعرف كيف أخفيه .... اعتقد أحيانا أني قتلت كل عاهرات الأرض .... لكنهن - على ماأرى - يتوالدن كالذباب لم تنسني الخمر يوما ... لكن دفن الجثث الطازجة قد فعل ______________________ لكنني بكيت مرة أو أكثر حزنا على (هديل) .... حسبت الدفن والنسيان نعمتين ... ليتني لم أدفنها... ليت جثتها ظلت في العراء ... ليت شبحها ظل حيا يطاردني ... لكنني - وقد تذكرت - ضحاياي الاّخرين ... حمدت ربي على مهنتي ... فماكنت لأظل حيا سليم العقل وأنا مطارد بظلال دامية الدفن .. والنسيان ... لايحزناني دوما ... فقط حسبتهما نعمتين
______________________ ويظل حفر القبور مهنتي ... أطمع يوما في فك رهن ثروة جدي ... ربما يقربني حفر القبور من هذا يوما يوما ما سيكون لي زوجة وأبناء .... وستظل حياتي السرية الأخرى لغزا مدفونا في احضان الخطيئة, فلا أملك منع نفسي عن التوقف ... سأستمر في دورة الحياة والألم والنسيان ... فأنا الحفيد الباقي لحمل اسم العائلة ... أما (هديل) ... ربما أفتقدها لكن موتها أراحني .. كانت تكرهني مع اّخر أنفاسها ( ربما لو ظلت حية لقتلتني) ... لكن هذا لا يهم الاّن سأذكرها من حين لاّخر ______________________ وعرفت أن (هابيل) رجل بلا ذرية..... وعرفت أننا جميعا من نسل (قابيل) 0