أيها الزائر قبري .... أتل ماخط امامك

Saturday, June 17, 2017

وقالوا لي .. لن تمرّ



الصورة دي , بالبصّة ومسكة النظارة والحاجبين المرفوعين .. ظلّت تمثل لي عقلية قائمة بذاتها.. عقلية الحرس اللي قاعدين على البوابات مهمتهم الوحيدة أن يحولوا بينك وبين أي شيء يخلي حياتك أسهل أو أكرم أو أكثر آدمية .. مهمتهم جعل حياتك جحيم مستعر .. بيدفنوك في حفرة عميقة من اليأس و كراهية الذات ..صورة بتختزل معاني كتير من العند والصلف والتحجر 

عقلية  (لن تمرّ) .. كان غيرك أشطر

أنظر لوجوهكم المتعصبة فأمتعض , وأتمنى فقط أن أراكم تتألمون .. وتتطوحون من فوق كراسيكم هلعا بحثا عن نجاة مستحيلة.. وتتبدد ابتسامة الثقة الكريهة من على سحنكم الغبية عندما تنقلب الموازين ,  فهي – لعمري - تتبدل ,لكنكم لاترون أبعد من عشب الحقل القريب

أنتم تريدون النظام  IN ORDER WE TRUST  ..فجحيمكم هو مالاتتوقعون , والنظام هو جنتكم ,جنة الحمقى الشامخين كجبل, جبل من التفاهة قام ركامه على البلادة والنطاعة وتحلل الضمير
أنتم متصلبون , ككتلة دهن متحجرة في شرايين عجوز تكاسل فيها الدم وركد , وأرسل نذيرا متكررا بالجلطة الموعودة لكنكم لاتعبئون
أنتم فظّون مقززون , لكن قناع التحضر هو الشيء الوحيد الذي يحول بيننا وبين أن نتقيأ في وجوهكم قرفا
لسان حالكم  ,لن تمرّ من هنا (احنا مش نايمين على وداننا)..فأنتم  حماة الحمى وصمامات الأمان

يسترخون في كراسيهم وينظرون لك من فوق النظارة بتعال ويخبروك بالمادة 52 من قانون رقم 211 في شئون الحائرين للعام 1700 ق.م.. ثم يرسلون لك نظرات التحدي عبر المكتب المزين بلافتة المنصب المهم ... لن تمرّ , لن تمرّ

يغلقون ملفك ويدفنون أوراقك في غياهب الأرشيف .. ويتثائبون قائلين (اللي بعده) .. لينتصب فرّاش المكتب وينتفش ساحبا إياك من حيز النفوذ ,فلقد نلت فرصتك وسلّطت عليك الأضواء  , And U Got Your 15 Min . Pal !!

لن تمرّ .. لن تمرّ

يصمّون آذانهم عنك , فالسمع ضعف وابتلاء .. كما أنك منفذ سيطرتهم الوحيد .. ومتنفسهم من الهزائم والأحقاد التي غصّت بها مكاتب ولاة الأمور , ..هؤلاء المفعمون بروائح التبغ , المزينون بالنظارات السوداء المهيبة  وزجاج السيارات (الفاميه) والألف حارس وحارس يتقاطرون حول مواكبهم ويهرولون كسعي الحجيج .. بصدورهم العريضة , وقد اعتمروا جميعا سماعات (الناب الأزرق) المخيفة والتي تكفي همسة فيها كي تجد نفسك خلف الشمس ,في مستعمرات العصاة

لن تمرّ ..لن تمرّ

وحده الموكب يمر, وأنت واقف تنتظر تحت شمس حارقة ..والأرض تغلي تحت قدميك تاركة علامة على الأسفلت الطري الساخن .. والعرق نهر يتدفق دون بهجة .. وبحكم الواقع أنت في اللازمن .. خارج السياق .. واقفا بانتظار همزة وصل تسترسل بعدها كلماتك .. لكن الكلمات تتوقف في حلقك ,فترى نفسك جملة منسية في جمع مهيب أصم , لايصغي حتى لصوت الأفكار .. فلا أفكار تحيا في هذا الجحيم .. يبس عقلك كلقمة خبز متحللة .. وأدركت أن لعنة الجمود قد أصابتك وأهدرت وعيك في انتظار وشجار .. صرت متصلّبا مجنونا.. أثاروا فيك الغريزة ثم جبّوا ذكورتك .. ومن كتلة الغضب الهادر .. خرجت بلسانك وسلاحك على أضعف رفاقك وأقلهم بأسا .. وهتفت به  في شجاعة حيوان جريح

لن تمرّ .. لن تمرّ

سيبيعون أجزاءك , ويغلّفونها ,متاعا مستباحا .. ستصرخ  مستجديا لكنهم لايسمعون .. فالسمع ضعف وابتلاء كما عرفت .. ستحاول استعادة أجزاءك المباعة وبقاياك المبعثرة على طاولة العرض .. ستضرب رأسك بالجدران حتى تنزف دما ودخانا .. ستحاول الوصول إليهم .. محاولا الظفر بعفشك وكراكيبك.. لكنهم سيحولون بينكم بالحرس والمتاريس , سترى أجزاءك تتبدد في أيدي الزبائن بينما البضاعة تعرض وسط الأناشيد والمهرجانات الملونة .. وستقطر الحكمة من أفواه الباعة وترفرف الأعلام فوقهم ,ويصدح المكان بموسيقى التهنئة والمصافحات الرسمية المصوّرة .. سيضحكون كأنما كتب لهم النصر المبين .. يسخر منك جيرانك وزملاؤك وأولئك الذين وقفوا معك تحت الشمس بانتظار الخلاص من الموكب الطويل .. يضربوك في حقد قائلين (اضحك .. اضحك يابن الكئيبة) .. ستصيح بالحرس معترضا حانقا .. (أريد المرور .. فتلك أجزائي التي تبيعون) ,  سينظرون بذات النظرة من على مكاتبهم في استعلاء ..وينبعجون على كراسيهم  .. يرفعون النظارة بثقة وقد تكدست أمامهم أوراق الملكية ويقولون 


اخرس .. فأنت أبدا لن تمرّ  

Thursday, June 08, 2017

الراقصون على القرميد


 (من وحي أدب الاعتراف)

قد تكون أكبر خطيئة عملناها في حق البشرية وفي حق أنفسنا .. هي خطيئة (الساركازم) اللي بقت نهج للتداول مع الواقع .. أي موضوع غالبا بيتم افراغه من مضمونه أو جديته ..وتقحم فيه النكتة أو الإفيه .. وسخرية التناول بتدي انطباع بالنضج وعمق التجربة .. وبتدي  أيضا انطباع باللامبالاة وهي متعة لاننكرها في خضم الأحوال المزرية للبلاد والعباد.. وبتحطك في منطقة أمان من سخرية الآخرين (لأنك قررت الانضمام للمعسكر الرابح) ياحبذا لو بدأت بالسخرية من ذاتك ..من باب (حط على نفسك قبل ماحد يحط عليك) .. بالإضافة إلى شهوة ادعاء الحكمة (التي يمارسها كاتب السطور بلا توقف) فهي أشهى من العسل والجنس وشطائر (البيج تيستي) مجتمعين
المشكلة اننا تحولنا مع الوقت فعلا ..احنا مابقيناش ب(ندّّعي) اللامبالاة ..احنا بقينا لامبالين فعلا ..أقل احساسا أو ندما بلا لحظة مراجعة ..احساسنا بالواقع حوالينا بقى مشوّه او ممسوخ .. كأنك بتتفرج على الدنيا من ورا شباك الحمام المصنفر .. كل شيء بقى باهت 

بالتدريج بقت المادة الحياتية/السياسية/الاقتصادية/ الدينية هي الموضوع اللي هنجرب عليه منهج الساركازم العظيم .. وتاثير المنهج دة على المادة .. مش مختلف أوي عن تاثير الاشعة المستمر على الحيوانات المنوية .. أصبح الفكر (عذرا للتشبيه ) مخصي .. ولم يعد هناك (رغبة) أو (قدرة) على التفكير المثمر .. وأصبحت أقصى الآمال الإنتاجية هي ممارسة (الاستمناء الفكري) للتحرر من ضغوط الواقع
تفكير لايثمر عن ذريّة ..تاهت الحقيقة .. وضاعت الحكمة.. وذاب الفارق بين الواقع والإفيه و(انتزعت القداسة عن الأشياء) و(تحرر العالم من سحره وجلاله) .. لكن من يأبه .. انت عارف بكام كيلو اللحم ..أو تذكرة السوبرجيت أو (الاستاف الجامد) ان وجد عزيزي الكييّف؟

توحش (الساركازم) لدرجة انه بيطلع قبل الخبر نفسه .. وبيخليك تتحزب وتتحيز قبل ماتفكر اصلا .. (الخبر في السياق الساخر يخليه هذي او كذاب او شرير) .. والحمد لله تفكيرنا المعتدل بيخلينا مكونين رأي مسبق قبل مانفكر اساسا ..وبعدين نختار من ظاهر الأحداث صور منتقاة تدعم بيها رأينا اللي موجود سلفا !! (ايوة احنا المركز الأول على العالم في المسلّمات والتنميط والروشتات الجاهزة.. فافتخر , لأن التعليم والصحة والشفافية والأمان وحرية الرأي مش كل حاجة ) 0

بقى من توابع المنهج دة ..انك بتضعف بيه السياق والترابط لأي موضوع .. أصبح العالم الجاد أو المفتي الحقيقي مالوش مكان بيننا..لأن كلامه بيتقابل باستهتار أو بيحوّر بابتذال ..بيتسف عليه .. والأكثر أمانا بالنسبة له انه ينأى بنفسه عن المرض ويرفع ثوبه عن لجة مياه المجاري اللي احنا عايمين فيها , و(يتقافز على قطع القرميد المتفرقة) عشان يواصل طريقه بسلام
 او الأسهل .. ان يسبح مع التيار ليعزف (مايطلبه الجمهور)0
صار هذا هو اسلوب الحياة المفضل الذي اختاره السواد الأعظم من الناس ..ولانزكّّي على الله أحدا ,فأسوأ الناس هو كاتب السطور ربنا يهديه
فجأة الكل بقوا سياسيين محنكين ..واقتصاديين بشوات ..ورجال دين  وخبراء مفرقعات وحملة كلاشنكوف .. ذوي بديهة حاضرة وحس فني عال .. ولسان طويل ..وضحكة (ياو مينج) وضمير الأستاذ (أحمد خميس) بعيونه اللائمة .. وبرود الضفدع (كيرميت) وهو يختتم حكمته ب (ياولاد المرة)0
المشكلة ان كل المعسكرات على اختلافها وتطرفها برعت في استخدام نفس المنهج بلا توقف .. وهو مايتركك حائرا بائسا في المنطقة الرمادية .. واقفا على قطعة القرميد خشية السقوط في الوحل

ربما لاتزال المنطقة الجافة نوعا والبعيدة عن بركة المجاري هي منطقة الأحلام والأماني.. لكنها تنكمش ببطء .. وأغلب الأماني صارت تنحصر في (امتى الفرج؟) .. متى يأتي المخلّّص/ المسيح/ المهدي المنتظر؟.. متى يموت (ولاد الوسخة)؟... امتى ييجي اتوبيس 357 اللي بيروح الهرم؟ .. امتى هينزلوا آيفون بشريحتين؟ ..امتى صورتك في المراية تبقى هي صورة بروفايلك؟ امتى ..امتى ..امتى ؟
لكن دعك من مزج الجد بالهزل فهي خطيئتي المفضلة ..كما أن تلك الأسئلة لاترقى للسؤال الوجودي الأعظم

هو برنامج (رامز جلال) ..بجد ولّا اشتغالة ؟!!0
;