أيها الزائر قبري .... أتل ماخط امامك

Wednesday, January 25, 2006

صباح الخير ياكئيب


لاحظت منذ فترة...وبمساعدة بعض الأصدقاء...أني صرت متشائما كئيبا سوداوي النزعة ....بداية من اسم المدونة الهباب 0(حفار القبور)0 ...مرورا بالقالب الأسود (خلاص يعني قفلت في وشي) ...حتى البوستات بعناوينها ومحتواها الذي يجعل أي قاريء للمدونة يقول ...هوة ماله دة؟
لا والله ...البداية من قبل كدة كمان....مرة قلت لواحدة بنت حلال...يابنتي...الحياة مش أبيض وأسود...الحياة اسود بس درجات.....ورغم انتقادها لمنهجي التشاؤمي الا أني فوجئت بها بعد فترة تردد نفس الحكمة وتتمسك بها
لم أعد أنتظر الخير في أي شيء...صرت باحثا عن الخوازيق في كل موضوع ولم أعد أخشى العفريت لأني مؤمن انه في كل خرابة , وأنه هايطلعلي هايطلعلي...هاتروح فين ياحلو؟
لكن النهاردة - والنهاردة بالذات - طقت في دماغي اقف مع نفسي على تلك الافكار الهدامة وأشخط لنفسي شخطة قوية قائلا..جرى ايه ياض؟...ماتتعدل...مع ان النهاردة لم يحدث أي شيء يغير مجرى الحياة بالنسبة لي...لم تصبح الأمور أجمل أو أفضل ...ولم احصل على صدمة قاسية تفيقني من وهم السواد...لم أقرأ كتابا جديدا يقول لي (تعلم التفاؤل بدون معلم) ...لكنه ملل , ونسبة مواد كيميائية بالمخ , ومزاج متقلب كمزاجي ومزاج مواليد برج الجوزاء عموما...كلها أسباب ربما أدت لحالة الخواء والهدوء التي احياها اليوم كأني لم يعد لدي أعداء...الناس طيبين قوي...ان أحدا منهم لم يسيء الي...لا أشعر بنقمة تجاه أي شيء أو أي أحد
يخرج فجاة عفريتي الأسود ليقول في ملل:0
هانعيش كتير في اللون البمبي دة ؟
بس ياواد خليني أركز...مبررات الكاّبة والقرف والأحداث اللعينة في الحياة موجودة وفعالة وكلنا نتعرض لها ...الفكرة تكمن في استجابتنا لها...هذا مايفرق الناس الى ناس حلوين مبتسمين دوما ومنظرهم مهندم , وناس عكرة نهارها غامق وناسية السوستة مفتوحة لأنهم متعجلين ع الفاضية والمليانة
تدخل أختي مرتدية فستانا جديدا وتسألني:0
حلو الفستان دة؟(فستان وايشارب مكونان من لونين ..ابيض وأسود فقط)0
الله ...جميل جدا....مع أني- أيام حمى الكاّبة - قلت لها عندما رأيتها في فستان مشابه:0
ايه الفيلم العربي القديم اللي انتي عايشاه دة ؟
اللونين معا..في منهى الشياكة لكن ماذا تفعل لمدمن سواد وسخرية بلا سبب؟ ...طبعا التهكم والانتقادات جزء لايتجزأ من عملية التشاؤم , كان عندي قناعة أن الشخص المتفائل هو شخص رخم ثقيل الظل , عايش في يوتوبيا وهمية صدقها وبدأ يبخها في وجه من يقابله ..وأمثال هؤلاء كنت استمتع دوما بصدمهم وأنا أغني كسعاد حسني ( الحياااااة بقى لونها كحلي)0 ...ياعم اخرج من مجلة ميكي اللي انت فيها دي...أحيانا أخرى كنت أتفهمهم بل وأوافقهم ايضا...فالتشاؤم عملية سلبية تفني صحتك وتستهلك تفكيرك على كلام فارغ..كلام عجزة جالسين على قهوة السماحي ويستمتعون بالشيشة والضومنة والكلام عن ماضي مجيد ..وأيام ولت..وأيام دلوقتي اللي زي الزفت..ثم يسبون لبعضهم بالدين لأن دور الضومنة انتهى وقد خسر الفريق الأكثر تشاؤما
تدخل أمي بنظارتها الجديدة التي تجعلها ترى الناس أقصر من الطبيعي:0
لازم تحضر معانا الفرح...الناس تقول علينا ايه؟
انا هاحضر عشان خاطركوا انتوا بس
مع أن حضور الأفراح من أشق الأمور على نفسي..فهو يوم طويل يبدأ بكوي قميص و سنتفة بدلة وتلميع جزمة قديمة شبه محتضرة..ثم اتصالات مع أصحاب تذهب معهم ...تجلس على مائدة تضم أفراد عصابتك القديمة التي تتساءل في بجاحة...هما هايفتحوا البوفيه امتى؟ ...ثم نرقص على أغاني (سوق الجمال) و(طب ليه بيداري) ولابد من صديق وسطه ملبن بكرش نلتف حوله ويقوم احدنا باخراج منديل ورقي يقوم بتمزيقه ونثره على الراقص الأوحد في المنتصف ( قال يعني بينقطه)ثم نسلم على العريس ونبوسه ...شد حيلك..لو عوزت حاجة احنا ع القهوة...زفة العربيات ...نودع العريس مرة أخرى ثم نتوجه بربطة المعلم لالتهام بعض الفطير في محل ابن حلال ...ثم ننام نوما بلا أحلام
هذا لو كان الفرح لصديق..أما لو لأحد الأقارب..فالموضوع أكثر املالا ...سنجلس مؤدبين دون تعليقات أبيحة فلا يوجد أصدقاء نتبحبح معهم في الحديث..كلهم أقارب يعتقدون أنك مؤدب والعيبة لاتخرج من فمك لأنك لا تستطيع نطقها..وأنك من الاّخر تحفة وساذج ( وهو بصراحة انطباع أستمتع كثيرا بأن أجعلهم يعتقدونه)0
على كل حال...حالة السلام العادل الشامل التي أحياها مع نفسي اليوم حالة مؤقتة ...فحتما ستعود ريما لامحالة ...وسأعود الى حالتي المتشائمة المعهودة خلال أيام ...يمكن النهاردة بالليل ( دي في حد ذاتها نظرة تشاؤمية..لكني أقول هذا من منطلق أني أعرف نفسي جيدا) ...وحتى ذلك الحين , سأستمتع بحالة التراخي والوئام تلك حتى النخاع...و سأشاهد أي فيلم عربي سخيف حتى نهايته .. ولو جابوا بكار هاغني مع محمد منير ...وهاحضر الافراح كلها رغم كونها تقليدية وأقرب للتمثيل ...وهاشوف كل الفساتين حلوة حتى لو كانت عبايات سوداء لزوم المياتم ...وهاكمل هذا البلوج لاّخره رغم ان النت هنج أكثر من مرة والجهاز نفسه تعطل وعمل ريستارت لوحده دون أن أحفظ ماكتبته سابقا...ولو قابلني واحد وقال لي...انت بتشتغل نفسك؟ هارد عليه ببرود وأقول له مقولة أبو طه صديقي :0
مش عاجبك .....اشتكيني

خمسة ميم

الفيلم الذي استهواني واشاهده باستمرار واجتره مرارا وتكرارا......0 ماتريكس
الهواية التي تلتهم وقتي وتشعرني أني لازلت انسانا.....0 موسيقى (سمّيع فقط ولست عازفا)0
الفتاة التي أعجب بها أو أحبها .....0 لابد وأن يكون أول حرف من اسمها ميم(ليسوا كثيرين والله ..وأنا لست زير نساء)0
النشاط الذي مارسته أيام الجامعة وأحدث تغييرا جذريا في شخصيتي.....0 مسرح (لا أقصد أن أكون مطيعا منقادا في جوقة...أنا أحب الأدوار المؤثرة)0
الشيء الذي اقتحم حياتي فاضاف لها معنى جديدا....0 مدونة (حتى لو لم يعلق عليها أو يقرأها أحد)0

Monday, January 16, 2006

سيبه يلعب


زمان ايام المدرسة ...كنا مجبرين على اختراع اسمه الزي الموحد....فاكر؟!!المريلة الزرقاء اللعينة ام زراير ورا والتي كنت مجبرا بسببها يوميا على تسليم ظهرك وقفاك لأمك أو لأخوك الكبير تاركا اياه يمارس امورا عجيبة في المريلة , وتسمع اصواتا مريبة , وتشعر بالدنيا تضيق من حولك وتنظر لصدرك فتجده خاليا من الزراير...وعندما يخبطوك على ظهرك قائلين : ...بسرعة اتأخرت ياجحش...تندفع فورا الى ساقية الحياة وانت تعلم ان هناك طابورا مملا تجبر على الوقوف فيه بأدب في الصفوف الأولى ..لأن الصفوف الأخيرة قد احتكرها المشاغبين العربيدة الذين يستمتعون دوما باللعب في زرايرك وفض بكارة المريلة وأنت لاحول لك ولا قوة..انهم فتوات المدرسة المتسلطين
وتطلع الفصل والضحكات من خلفك وتشعر بأن الدنيا قد صارت أكثر براحا وأن صاروخ هواء يخترق عامودك الفقري فتهرع لأي أستاذ أو أبلة علها تنجدك وتستر عليك باعادة احكام المريلة اللعينة..وطبعا تسمع كلمتين عن (العيال الشياطين) و (الجيل المهبب) ثم تقول لك في حنان مصطنع : و
"في الفسحة بقة ياحبيبي"
عندها تعرف لماذا قالوا ان (الأم ماتتعوضش)..لأنها لاتنتظر لحد الفسحة طبعا , فصبر جميل حتى ينتهي اليوم الدراسي الخنيق وترجع للبيت مكللا بالعار والمريلة المفتوحة على مصراعيها , طبعا لازال هناك دشا ساخنا من التقريع بنتظرك من امك لأنك تركت بعض الرعاع يلعبوا في مريلتك دون ان تردعهم.. أصلك هزؤ وبلا كرامة و...الخ , لكنك في أعماقك تؤمن ان المريلة هي الملام الأول والأخير في الليلة كلها
همة ليه ماخلوهاش بسوستة؟
راحت أيام الابتدائي والاعدادي...داهية لاترجعها...وأصبحت سعادتك ذو شنب وبجاحة وامتلكت بعضا من قوى الردع في المجتمع وأصبحت بفضل الله واحدا من العربيدة اياهم ذوي اللسان الطويل والناب الأزرق ..أصبحت وسخا ولاتؤكل بسهولة..انها بشائر الثانوية ...تنظر لماضيك باحتقار , ثم تتوكل على شيطان صياعتك الجديدة لتصطدم بأستاذ العربي ذو الشخصية الحديدية والخرطوم البرتقالي الشبيه بسيوف الليزر في أفلام حرب النجوم والذي لايظهر في يده الا أيام الشتاء...ولابد من سؤالين خرافيين في النحو ليسا في المنهج , ولا في كتالوج العربي بتاع الوزارة.. كي يبهر تلك العقول العبيطة بعلم لاينفع لكنه يوحي لتلك الشرذمة انها تتعامل مع بطل العالم في اللغة والانشاء وكله عشان الدروس وأكل العيش
اعراب حتى : لو عندنا سمكة , حطها في .... و
ماجاتش على العربي...عندك الانجليزي , الرياضيات , الاحياء والكيميا والفيزيا والاحصا والفلسفة والدين و.... و...حتى التربية القومية المناهج كلها عموما اخذناها على حين غفلة كاللبوس دون أن ندرك ..احنا خدنا دة ليه وازاي؟فقط نذكر اشباحا من عينة (جماليات شعر المتنبي) و (الدروس المستفادة من غزوة احد) و (ط نق 2*ع) و(دورة حياة الصرصار)ومستر جراد جرايند الذي تحول الى رمز للعملية التعليمية بأسرها بكل جموده وتسلطه وصوته الرادع الغليظ الذي يعلمك دوما الا ترسم زهورا على بساط أحلامك...فالزهور لاتوجد سوى في جنينة المدرسة بجوار المسجد ..وقد ماتت الزهور عموما بعد أعوام من الطناش والانشغال بتجهيز الفصول الجديدة..أو على رأي مدير اصلاحية شاوشانك: "مزيد من الحوائط , مزيد من القضبان , مزيد من الحراس"...
ستدخل في قلب الدوامة..دروس خصوصية , تزويغ خلال الفسحة , استعارة من المكتبة لبعض كتب مصطفى محمود ويوسف عوف ولاتنس الأيام لطه حسين , خناقة مع مدرسة الصنايع المجاورة , قليل من لعبة الفيفا مع الخلان في محل الكمبيوتر في اخر الشارع , شد وجذب مع أبلة الجغرافيا البدينة جدا لأنك دائم المشاغبة أثناء الحصة , صراعات في الفصل لاثبات الرجولة , دس رغيف من أرغفة التغذية في شنطة مدرس الرياضيات وهو يكتب على السبورة , السعي مع زمرة من الصيع لمعاكسة البنات في الشارع ثم تعرف انك لاتعرف شيئا عن الجنس الاخر , هواجس وأسئلة حائرة وقليل من العنف في عالم يشعرك يوميا أنك صغير وتافه و ان امتحاناتك باقي عليها شهر ياحمار...ثم تغيب هذا الشهر في أعماق بالوعة التعليم الغويطة
هارد تايمز......هارد وير.....هارد لاك
ياااااااااه....عدت أيام ثانوي ..كانت كابوس ياشيخ...وأخيرا ستقتحم الحياة الجامعية الاسطورية دون وجل...لقبد كبرت ياواد وأصبحت كالبغل....اكيد الجامعة أفضل من المدارس , دة كفاية ان مافيهاش طابور!!..وفيها كانتين بكراسي وترابيزات يجلس عليها الحور العين من مختلف الكليات وشاورما وكانزات ورغي حريمي لذيذ في الخلفية وواحد معقد لازال يبيّض في المحاضرة الأولى التي لم يقل فيها الدكتور سوى كلمة ترحيب بالدفعة الجديدة..بتكتب ايه يادغف؟!..المدرجات فكرتها عبقرية ممكن تجلس في الخلف مستورا وتلعب (اكس أو) ..ولابأس من أن تجرب السجائر..لقد تركنا عهد العيال الخوافين من زمن..
وبعد فترة حيرة ولخبطة شأن أي مرحلة انتقالية , وبعد أن تنظر لماضيك البائس مرة أخرى وتفخر بالبغل الذي صرته متعجبا من طيش ورعونة زمان , وبعد أن تستقر وترستق أمورك نفسيا في عالمك الجديد ..تبدأ رحلة البحث عن مصدر للعلم الغويط والأسرار الدفينة حتى تعلم البديل الشعبي الجديد لكتب الوزارة..مذكرات (عبد المعين) أحدث ماوصلت اليه تكنولجيا التلخيص والقص واللزق وفن التشفير لتحويل العلم الى أكواد ككود الماتريكس...وتحويل المعرفة الى خلاصة و(بهاريز) يسهل جمعها وبثها ولمها وفردها وتنيها...واقفا أوجالسا أوسائرا أو راكبا أو حتى مستلقيا على الأريكة...هذا ليس كل شيء...فالدروس الخصوصية للجميع ولازالت مستمرة والموضوع كله سوق وعرض وطلب بس العلم لايكيل بالبتنجان..طبعا لأن البتنجان أغلى وأفيد ... لاتنس امتحانات الشفوي ..فكل دكتور له اجابات معينة أو (باسوورد) لفك مغاليقه والحصول على درجة تسترك يوم لاينفع واسطة ولا بنون....فكل دكتور له رأيه في العلم يبثه طوال السنة من خلال محاضراته, حتى لو مابتحضرش ..اسأل زمايلك في السنة اللي قبلها واللي قبلها..المهم الا تدخل طرزانا جاهلا في اللجنة..اعرف لون فص كل دكتور..بيحب ايه ؟ بيكره ايه؟ الدكتور (ن) بيحب انك ترص النقط والعناوين..الدكتور (أ) بيموت في اللك والتفاصيل..الدكتور (س) بيكره اللي بيتقال في محاضرات دكتور (ع) ...أوعى تطب قدامه زي الجردل.. الدكتور (و) بيحب البنات .. يعني ياتلبس ايشارب ياتعمل عملية..المهم انك تغريه ..أما الدكتور(ح) فدة عسل ونمره نهائية بس مابيدخلهوش الا ولاد الاساتذة... و
الله يسامحك يابابا..ماعرفتش تبقى أستاذ
وسنة ورا سنة تزداد خبرتك بدهاليز الحياة الجامعية وتصبح شاب (مفنط) يعرف من أي يؤكل الورك...احسن مذكرات في السوق , عم عبده الذي يبيع الشاي والبسكوت خلسة أسفل المدرج بأسعار زهيدة , الطريق الملكي المختصر لكليات الاداب والتجارة للتعرف على البنات واقتحام ذلك الجنس الغامض... المعيد ابن الحلال الذي يعرف كود وفك شفرة كل دكتور..كله تمام...لم يبقى سوى أن ندخل الجنة... و
الأمر كله ليس فيه اختيار..انت فقط تربط الحمار مطرح مايعوز...وتبحث عن أحد يعلمك الصياعة والألفاظ البذيئة حتى لاتؤكل , وتنتظر من يزرر لك المريلة لأن المريض المعقد اللي اخترعها جعل زرايرها للخلف... واقع معفن لكنه - رغم ذلك - مريح لأنه لايحتاج منك الى مجهود للتفكير...فقط عليك أن تواصل الحياة محتفظا بذاكرة قوية ولسان طويل قادر على لعن ماضيه وحاضره ويؤمن أن المستقبل مظلم لأن طريقك مسدود ..مسدود ..مسدود ..ياولدي...الموضوع اشبه بالسيطرة على القطيع الذي يقاد كالبهائم من سنواته الأولى قبل أن تنمو لديه خلايا النقد والتغيير ..ويزرع فيه العجز والمهانة حتى يظل طوال عمره خاضعا للقميص المقلوب الذي يحتاج دوما الى من يحكمه عليه...أما نحن..فنحن جميعا لازلنا نرتدي تلك المريلة...ومازلنا جميعا تسمتع بفكها لبعضنا البعض ..رغبة منا في اذلال انفسنا وتجريحنا منتقمين من عجزنا ومريلتنا المقلوبة ..أم زراير ورا...بتاعة زمان , ودلوقتي , و تتخرج .. ونتوظف ..ثم نموت فنوضع في مريلة أخرى بلا زراير...فنقضي مماتنا كما قضينا حياتنا...عاجزين... مكبلين...خائفين من الحساب
ماتلعبش في حاجة... انت لسة صغير
ويمضي الوقت...و تنسى انك كنت عبدا في مريلة يتنطط بحساب ويذاكر مواد يكرهها من مدرس كئيب يشكو شظف العيش وخنقة الحياة , وتنجح , وتخطو لعالم مراهقتك محتاسا لاتجد النور ثم تكتشف انك تلعب لعبة (جمع واكسب) فالحياة والمستقبل مرهونان بقدرتك على الحشرالعلمي في فترة زمنية متناقصة تمر خلالها بأصعب مراحل التحول النفسي والعقلي وتصاب بجميع الأمراض العضوية والعاطفية وتختزل تجاربك الى مفاهيم محدودة للحياة وتجتر أحزانك صامتا وربما تبكي مرة او مرتين ليلة الامتحان وقد تذكرت أشياءا اّلمتك كثيرا , وتدخل مجزرة الامتحانات - وياللعجب - تنجح مرة أخرى... وتدخل الكلية... بكيف مكتب التنسيق لأنك لم تعرف ماذا تحب وماذا تكره...ماذا تريد أن تتعلم...ماذا تريد أن تكون...انك فقط تنتظر الحمار التالي لربطه عندما يأمرون حيث يشاءون... وتجد نفسك أصبحت - بالفعل - بعد الكلية كما يشاءون ...انسانا خاملا كئيبا ..كثير الشكوى..دائم اللعن ..ناقما بلا فضيلة ...زاهدا في بعض الحرام جبنا تراه تدينا..انك فقط لاتعلم أن أحدهم قد فك أزرار مريلتك تاركا اياك متسائلا عن صاروخ الهواء الذي يضرب ظهرك..انك فقط لاتملك ترف الاختيار...ثم انك غير متأكد ما اذا كان الاختيار ترفا..أم قرفا....الم أقل لك؟ واقع معفن...لكنه مريح
"عاوز ابقى ظابط ..عشان أشيل مسدس"
لقد نسيت تماما انك تدور في ساقية من أيام مريلة الابتدائي وحتى الجامعة...الاشياء تفرض عليك فرضا...اطلع قدام ياأستاذ ..ماتبصش وراك ..مش عارف اربط الزراير...مين ابن الكلب اللي فك المريلة؟...حضرة الناظر عاوزك...كلم بابا...طب ماتجيب كمبيوتر في البيت؟...اقعد ساكت يامهزأ...افتح ايدك...المصروف لازم يزيد...نسيت الواجب؟...طب نسيت تفطر ياشاطر!!!؟ انا مابحبش اللبن ...والساندوتشات لازم تتسرق...اللي قاعد ورا وبيكلم زميلته...كارنيهك وبرة.....الجزء دة ملغي , والجزء دة ماجاش قبل كدة , والجزء دة مهم بس عشان العملي...ليلة العملي ربنا يسهل...الجلاد الأخضر عشان كشكول الواجب..مسطرة ( اشكال فن) دي ظريفة ...هية اللوز مابتجيلكش الا أيام الامتحانات؟!!...هاتسمّع عدل ولا أرمي الكتاب في وشك... يانهار أسود !!!انتوا مش قولتوا الجزء دة ملغي؟!!!..عملوها الخونة..وانت مادخلتش الكشافة قبل كدة واتعلمت انك لازم تبقى مستعد!!!؟...الواد دة جتة بس لازم ينضرب...مين اللي خد الألوان الفلوماستر بتاعتي؟ لبس المريلة مايفرقش كتير عن لبس الجيبة...قول انا مرة....سامح دايما بيلعب (ميدال أوف أونار) بالشفرة ...احترم نفسك وبص في ورقتك...مين الشاطر اللي هايحل المسألة دي؟....مديحة... أنااا.....اّنسة مديحة لو سمحت...ممكن تزرريلي المريلة؟...انتة لسة صغير...بلاش تلعب في الكمبيوتر ...عاجبك كدة؟!! أهو جاله فيروس...المريلة دي بتخنقني ...بكرة تكبر وتلبس كرافتة...بسكويت التغذية فيه دود ...وماله أهو كله بروتين...مين الحيوان اللي حط الرغيف في الشنطة؟!!...تعال اعلمك ازاي تعلق مزز...علمني ازاي أزرر المريلة الأول
البسها بالمعدول....تعرف تزررها

Thursday, January 05, 2006

اكليشيه

أي مذيع يفتتح برنامجه ب(أعزائي المشاهدين)وابتسامة زي العسل بتخر منه....مع أنه يرد عليهم في التليفون من طراطيف مناخيره
أي أغنية دينية يكون فيها سحاب وناس لابسة أبيض وشوية ايشاربات بترفرف ولونها أبيض برضه...هية الألوان بتثير الغرائز؟
أي انتخابات(اتحاد طلبة أو غيره) ..يسقط فيها الجماعة دول , وينجح الجماعة التانيين ويطلع الجماعة دول يتهموا ويستنكروا كل مرة على طريقة (احنا متفاجئين)0ياأخي بيقولك لايلدغ المؤمن...مش الأخ مؤمن برضه؟
أي بياع تشتري منه انشالله بيجامة كستور وشايفها معفنة...ويحلفلك انه واخد لنفسه حتتين الصيف اللي فات..مع ان الكستور تقيل زي البلوة في الصيف , ثم ان حتة واحدة كفاية اساسا
أي واحد نحس دخل الجامع ونسى موبايله مفتوح..ورن في ثاني ركعة...هايطلعلك خمسة ستة بعد الصلاة يحمروا عنيهم ويقولوا كلام كبير عن الشوشرة و والفتن و لاتنس المحمول مفتوحا يامستهتر ....ماهو لو كان افتكر الموبايل ماكانش هايرن من الأصل ياأذكيا
أي فرح أو خطوبة يجييلك حد من قرايبك ويقولك " اتجدعن بقة انت كمان" وطبعا لابد يكون الرد" عقبالك ياعمو...قصدي في حياتك"...طبعا نفس الكلام سيقال لو رزق حد في العيلة بطفل وانت لسة متجوز امبارح...هو المفروض انك مقصر وخالي من الجدعنة على طول الخط ومحتاج اللي يسخنك؟
أي رمضان يسألك فيه كل الظرفاء "صايم ولا زي كل سنة"وطبعا ترد بنصاحة "زي كل سنة " أوعى تقع وتقول صايم...شفت الافيه..مابتضحكش ليه؟
أي واحد تايه بيدور على عنوان بيت قرايبه وانت رحت موصله لغاية عتبة البيت ...يبتسم بود ويقولك "طب اتفضل اتغدى معانا"...ماتجرب تقول "يزيد فضلك" وتطلع معاه
أي حارة في التلفزيون يكون فيها جزارة الأمانة.. و صالون النزاهة...وبقالة الحكمة....مافيش مرة سايبر (ليالي زمان)؟
أي طبيب في المسلسلات (برضه)يكشف ع الواحدة من دول ثم يزف البشرى(مبروك..المدام حامل)دون ايضاح الطقوس الغامضة التي مارسها هذا الجهبذ للوصول للتشخيص بدون تحاليل أو أشعة...أكيد مد بوزه في قلب الرحم وشاف الجنين...ووجده يقول نعم لمبارك ( برضه)0
أي ست يرجع لها زوجها من الشغل وتسمع صوت المفتاح وتكة القفل ورزعة الباب ومع ذلك تتساءل بكل بساطة..(محمد..انت جيت؟)...انا لو مكان محمد..أخرج تاني وأخبط ع الباب بكل أدب وذوق واصيح بصوت أجش 0(الزبالة يامدام)0
أي شاب لذيذ شايفك ماسك كتاب ويسألك بتعمل ايه وتقوله ( أنا باقرا) ..يقولك ( أنت بقرة؟) , وكركركركركركر...احمد ربنا انك مش مرشد سياحي لأنك هاتبقى مضطر تقدم نفسك للناس طول الوقت على انك(تور جايد)0
أي كاتب يصف شابا رأى حبيبته قائلا (رقص قلبه طربا)...أو قاعد على لحم بطنه قائلا ( الجوع يعتصر أحشاءه)...أو عكشه مخبر في موقف مخل بجملة ( تجمدت الدماء في عروقه).....لو أنه كان في ضيافة حبايبنا الحلوين ..ماهي الأعضاء التي يتم انتزاعها قبل أن يقول الكاتب (فقد أعز مايملك)؟

Monday, January 02, 2006

تهافت الدكاترة

"انا اسمي أحمد..طبيب حديث التخرج...هاتساعدني.....هاتساعدني أنقل تكليفي لمكان ممكن يعلموني فيه"

دوت هذه الجملة في عقل "أحمد صفوان" وهو جالس على مقهى متواضع بأحد مقاهي العاصمة وهو يتابع قنوات الكليبات التثقيفية ...في الواقع لم يكن هناك اي علاقة بين الافخاذ العارية المعروضة على الشاشة وبين أفكاره السوداوية الغارقة في التشاؤم ..لكن الجملة وجدت طريقها الى عقله واخترقت حاجز همومه للحظة واختفت كفقاعة عشوائية عاد بعدها ليتابع شريط (الشات) الاحمر وعلامات القلوب المرسومة حولها اسم لفتى وفتاة , ونسب مئوية , وتعليقات ممتزجة ببعض الصدور العارية والمخلية والكثير من القبلات والاحضان المتتابعة في سرعة

"الجنس هو الحل"

اخترقت تلك العبارة رأسه ليتجرع خلفها جرعة اخرى من فنجان القهوة السادة اصطدم بعدها بمرارة البن وقرفه ليكتشف أن تلك كانت اخر جرعة بالفنجان, فوضع الكوب جانبا ونظر في ساعته...

لقد تأخر هؤلاء الكلاب...وحدي في المقهى...ملعون أبو العيال ذوي المواعيد المضروبة...لسة الكليبات ممكنة...وانا وحيد لا يمكن أن تكون الدنيا اكثر ظلاما...نانسي عجرم دي حلوة قوي...مالهاش اخت محجبة؟...مالك انت ومال الجواز ياكلب..هو انت لاقي تاكل؟..متى ينزل اعلان النيابات؟...لسة النيابة ممكنة...يانهار السواد...بكرة عندي نوبتجية في المستشفى...حاسس اني نسيت الطب...مين الهايف اللي بيبعت رسايل على قتاة كليبات دة بس...الدنيا برد جدا..ياترى البس ايه بكرة؟البلوفر الاخضر؟ بس البنطلون بتاعه متوسخ...وبعدين شكلها كدة هاتمطر ...ياخسارة...ليس عندي جاكيت جلد للمطر..أحسن...طب والله مانا رايح

"وكل مرة ...باشوفك فيها ....ببقى نفسي أ...أ...0"

"ماتكمل ياجبان"

قالها "حمودة وهو يقتحم المقهى بصخب كعادته وفي ذيله "اشرف" و"مروان"وقد اتجهوا الى حيث يجلس "احمد"الذي صاح مغتاظا

"مالسة بدري بروح أهاليكو"

بادره "اشرف " وهو يضع موبايله وسجائره ومفاتيح المنزل(التي يحملها بشياكة على أنها مفاتيح سيارة) وقال

"هاتتنطط اشيل عدتي وأمشي...روق كدة وقوم هات الضومنة...هادعككوا يامعلم"

قام "أحمد "مستسلما لالحضار (الضومنة)على رأي "اشرف"...ان ساعتين من الحساب والشد والجذب مع تلك النخبة الحريفة كفيلة بأن ينسى "احمد" هواجسه مؤقتا

واضح من الكلام ان "أحمد" طبيب تعس أعزب في بداية فترة التكليف حيث تكثر بداخله الحوارات العبثية والافكار المتشائمة وتطفو على السطح كل الاحباطات والتأملات والرغبات الجنسية المكبوتة

"أشرف" الاليط دوما...من زملاء النضال الطبي...يعتبر أن مستقبله من الممكن أن يكون مضمونا على طريقة (أنا هاتجوز سعاد حسني ..وأعيش على قفاها)..فهو يخطط للهجرة الى استراليا عند عمه..ويعمل ويتزوج من فتاة استرالية مسلمة ...فقط يقف شبح التجنيد عائقا أمام حلمه...والويل للبشرية ان دخل ضابطا..الويل

"حمودة" لازال في مرحلة الامتياز...اعتاد الذهاب للمستشفى للامضاء ..حضور ,وانصراف...ومابينهما يقضيه متسكعا في الجامعة محاولا التعرف على الفتيات (طبعا سينبهرن بهذا الدكتور الحليوة...همة يحلموا؟) وطبعا يصحب البالطو معه في كل المصائب...واحيانا يقضيها على المقهى (مقهى الشاي أو النت...حسب التساهيل المادية)وكل هذا يتوقف على النائب الذي يرأسه...اذا كان لطيفا..نال من "حمودة"ثناءه وسجائره وأي خدمة يأمر بها الباشا وان كان من النواب اياهم..فهي ايام سوداء طويلة ومظلمة في القسم البارد المبلط بالقيشاني والذي لن يفارقه "حمودة الى المقهى الا اذا انتهى (الشيفت) ...."حمودة" حاليا في قسم التخدير..لذا تجده يقضي اسعد ايامه...وهل هناك الطف من نواب التخدير؟

أما "مروان" فهو مجرد (رفيق قهوة) و (صاحب أصحابي) ..ولم يهتم "أحمد يوما بسؤاله عن مهنته أو سنه...لم يسأله فقط سوى(معاك كام كارت) قبل أن يهوي ب (القفلة) على رؤوس الأشهاد

ثوان واصطفت احجار الدومينو الكريمة....لازال الحساب مستمرا...هدم الدور مرتين لأن "حمودة" ادعى حصوله على خمس (بفات)...من اّن لاّخر يتفحصون الكليبات ثم يتصعبون ويتابعون الدور

"اطلع بالشيش ...زميلك مزنوق"

قالها "مروان" بينما صوت كاظم الساهر يعلن

"وطوييييييييييييييل جدا مشوااااااااااااااري"

"تستاهل...حد قالك تخش طب"

"أشرف" يقولها متهكما قبل أن (يقفل) الدور ويكشف كروته ليتابع في ملل

"ستة بنط....حد هايفتح بقه"

هنا يخرس الجميع ويقوم المهزوم بعد أوراقه....لقد راحت العشرة

الدش ماااااااات..........والذكرياااااااااااااات............قالتلي دشك لن يعود

انتصف الليل...كل ذهب لحال سبيله , و"أحمد" عاد لهواجسه....0حتى (الدومينو) فاشل فيها؟...دة مش نحس....دي نجاسة..انا جوعان وحزين وعايز أروح الحمام..ذهب لمنزله مسرعا وهو يتفحص المارة والشوارع دون وعي...كل هذه محلات فول وطعمية؟...طبعا لايمكن يخسروا...هذا الشعب لايتوقف عن الأكل والنوم والمضاجعة...البنات دول ايه اللي مسهرهم للاّن...وبعدين كيف يرتدون تلك البناطيل الضيقة؟ ...قادر على كل شيء...ينظر للسيبر الكائن بالطابق الثاني من تلك العمارة الفخمة - نسبيا - ويتفحص ذلك الرجل المطل من شرفتها وهو يتحدث في المحمول بصوت عال لم يسمع منه حرفا رغم ذلك....كان نفسي يكون عندي نت في البيت...السيبر دة خراب بيوت...ابوه معترض جدا على حكاية النت ويرى انها مفسدة...مالفساد في كل مكان ياحاج؟ وبعدين اذا بحثنا عن الاباحة فما أكثر اصحابنا المتشردين من أصحاب الدش والسي ديهات ...ربنا يخلي لنا الأوروبي

دخل المنزل...تفحص طاولة العشاء...فول برضه؟!!وبارد كمان!!!..حتى العيش ناشف..ورغيف واحد..لقد نام الجميع وتركوه يصارع جوعه...مش واكل..كفاية الحمام وخلاص...فين الشبشب ياظلمة؟

لم يتغير " أحمد" كثيرا عن أيام مراهقته...فقط صار أكثر اكتئابا ونقمة...من يصدق مايدور برأسه ممن ينادونه في كل مكان قائلين (اتفضل يادكتور)0...كان حانقا على فترة التكليف الاجبارية التي يقضيها في الريف...انه من أبناء المدينة...كان يتمنى أن يكون في مستشفى كبير وأقسام ودكاترة كبار يشعر معهم بالأمان العلمي...وزملاء يستغلون طيبته ويحملونه نوبتجياتهم...وممرضات يستمتع بمناكفتهم في الاستقبال...ومرضى يشكون بلغته دون أن يقول أحدهم (يسترض) أو (يستنطق) أو (حرقان في الصفرة) - بضم الصاد - ودون أن تكون فكرته عن العلاج محصورة في محلول (الكلوكوز)- كما ينطقونها - ودون ان تكتب له الدواء كله (برشام)و(كباسين) وليس حقنا أو شرابا

كان يحب الأطفال..كان يعشق ذلك التخصص ويؤمن انه - يوما ما - سيكون طبيب أطفال مشهور بالعاصمة...لكن نيابة الأطفال تستدعي قضاؤه فترة سنتين بفترة التكليف الملعونة ...وحتى لو نزلت النيابة وفرضا حصل عليها...و فرضا جاءت في مكان معقول, فلا بد من قضاء فترة أخرى في النيابة قبل أن يحق له تسجيل الماجستير ....والجيش...يانهار أسود!!!! الواحد نسي الجيش تماما ...يارب ياخدوه عسكري...حرام يفضل ثلاث سنوات يقضيها في المرمطة في سبيل (اللي اسمه ايه دة) الواجب الوطني...ليس عدلا والله...أمال هايشتغل ويكون نفسه ويتجوز امتى؟وهؤلاء الأطباء الذين نراهم في التلفاز ويتهمهم الناس دوما باتساع الكرش وموت الضمير كيف صاروا الى ماصاروا اليه؟...يارب..عايز كرش وعربية لانسر...مش كرش كبير قوي يعني...ساعات هابقى انسان برضه وأراعي ربنا...بس ربنا يكرمنا

يرن محموله في اصرار...مسد أم اتصال؟مسد أم اتصال؟...شكله اتصال...اهذا وقته يابن ال....الأفاعي...بالمناسبة لابد من تغيير نغمة (ليلي نهاري) المملة تلك...مالها (رجب) بس...ربنا يسهل ونجد موبايل بوليفونيك وألوان مستعمل....ملعون أبو النوكيا القديم...ملعون كل ذوات (الأنتينا)...معلهش....يرد على النداء...كان ذلك "اشرف"...واليكم التفاصيل....واحد زميل يعمل بمركز طبي جاءته فرصة للسفرولابد من ذهابه للمقابلة باكرا....استعان بصديق فاستعان بصديق اتصل بنائب عظام على صلة قرابة ب"حمودة"الذي يخشى فكرة العمل الاّن فدله على "اشرف" المشغول بالعمل في مكان اّخر وسارع برمي الكرة في ملعب "أحمد"

"بس انا عندي شغل بكرة في الوحدة"

"يعني شغال في مستشفى مانهاتن ياخي"

"طب المكان فين؟"

"المركز في الدقي...عنوانه (....)....اليوم بخمسين..واقامة نضيفة بس الأكل عليك...همة يومين في الأسبوع...تلات وأربع"0

"بس بكرة..الشغل...هايشطبوا ...أصل فيه مرور اليومين دو....."0

"أصلك ابن كلب فقري...انا قلت انك هاتقول البقين دول..انا هاشوف اي زبون تاني ..دول اكتر من الهم"

"ياعم خلاص ...خلاص ...........موافق..انا اصلا ماكنتش رايح بكرة "

"أوكي ..تبقى هناك بكرة الساعة تسعة...سلام بقة اما ابلغ الراجل"

الى أين يأخذني هذا ال private?

و(البرايفت) ليست كلمة نابية والعياذ بالله....بل هو المصطلح المشهور بين الاطباء للكلام عن العمل الخاص سواء في العيادات اوالمستشفيات والمراكز الطبية أو حتى شركات الأدوية..وأصبح الجميع بهذه الكلمة ..من أهل الشنطة....عندما تجد احدهم يسير شاردا ويحمل حفيبة خفيفة معلقة على الكتف..فهذا طبيب ذاهب الى البرايفت...عندما تجد شخصا محترما يرتدي النظارة ويحمل حقيبة سامسونايت ويمشي في عجلة فاعلم انه دكتور تأخر على الشيفت...عندما تجد هذا المتأنق ذو البذلة الكاملة والشنطة الجلد السوداء فاعلم انه دكتور ايضا ..ولكن في شركة أدوية وربما يعطيك كارتا كتب عليه اسمه بكل فخر واعتزاز وبجواره كلمة

(medical rep.)

انك تجد الطرقات مليئة بذوي الشنطة والحماس المحموم ...يقابلون بعضهم البعض في الشوارع ويحيون بعضهم بهزة رأس عابرة وكأنما تعرف كل منهم الاّخر ..كأنه تنظيم سري يدور في ارجاء المدينة تحت الأرض والناس نيام...أو هو غزو من نوع جديد ....وكلمة السر بين العملاء .....برايفت

المهم...وصل صاحبنا لمقر المركز السري - عفوا... الطبي - لتقابله السكرتيرة السمراء الحسناء بابتسامة دبلوماسية متحفظة سائلة اياه عن اي خدمة ...فأخبرها انه مكان دكتور هشام ذو الشعر السايح والذي يعتذر لظروف طارئة

"حضرتك باطني ..مش كدة؟"

"اه ...ان شاء الله"

(ايوة احنا كباريه النجوم....انا الرقاصة)

طبعا هو ليس باطنة ولا يحزنون لكن فقهاء البرايفت ذهبوا للعن الامتياز والممارس العام , وذهب البعض الاّخر لكراهتهم ..والله اعلم...فالمريض دافع ثمن الكشف ليعالجه الاخصائي طبعا...الم يكتبوا على باب المستوصف..(أطباء في جميع التخصصات) مع ان معناها الحقيقي المستتر هو الممارس العام أو ال

G.P.....GENERAL PRACTITIONER

يعني لو حالة اطفال ..فهو دكتور أطفال ...حالة ولادة, فهو اخصائي النسا الوحيد بالمركز...حالة جلدية, يخلع (ماسك) النسا فورا ويعتصر ذهنه ليتذكر اسماء المراهم و(السأسأة)ويفقع الزبون روشتة محترمة محفوظة لكل حالات الحساسية(ماهي لازم تكون حساسية ..أمال ايه؟)0

اقتادته السكرتيرة ليتعرف المكان ...القى شنطته بالشقة المقابلة المخصصة للسكن وعمليات الجراحة(مع بعض)ثم اتخذ مكانه امام التلفاز ليتابع الدش في انتظار أول حالة ..وجلست السكرتيرة على بعد مقعدين منه وبدأت تجاذبه اطراف الحديث علها تعرف (لون فصه وكوريته) وأي نوع من الأطباء هو

دقائق لتدخل الحالة الأولى...ضع( الماسك) الصحيح في المكان الخالي ..حالة باطنة لعجوز شكاكة...لابد وأن يكون جنتلا حبوبا حتى يمحو نظرة الاستصغار التي رمقته بها (الحاجة)0

المسألة مسألة presentation....

تذكر الوصية الخامسة من بروتوكول البرايفت وطوح السماعة على كتفه بثقة المحترفين قبل ان يقول بنفس الثقة ..اتفضلي ياماما...(طبعا ماما)..هذه الكلمة منعشة للمريضة فهي تعطي ايحاءا بالتعامل مع طبيب عقر..عرك الحياة وعركته لابأس أن يطعم الكلام من اّن لاّخر ب(ست الكل)...ولابد من اطالة الحديث قبل الكشف...المريض يشتري وقتك قبل ان يشتري علمك الغزير.... لاتنس ابدا

انتصف النهار على حالتين فقط...ما من مشكلة....الشغل الحقيقي يبدأ عندما يأتي المساء...سينزل ليصلي ويخبط ساندوتشين من محل حقير مغطى بالهباب وجده على الناصية ...رن محموله مرة اخرى وهو يهم بالاجهاز على اّخر لقمة في الساندوتش الأول...رقم عجيب..لكنها نمرة شيك ومتكلفة ...رد النداء في وقار ليجاوبه صوت انثوي رقيق

"ازيك يادكتور"

"اهلا وسهلا..مين معايا يافندم؟"

"مش فاكرني ياأحمد؟"

"والله يافندم هوة الصوت يعني...."

"انا منال"

سرى في جسمه تيار كهربي متوسط القوة اسفر عن عرق وضربات قلب متزايدة...منال!!!؟...ياااااااااااااااااااهّّ!!!بعد هذه الشهور ؟!!

كانت "منال" هي حبه الثاني الأعنف والأكثر نضجا رغم سخونته..."منال"الكتكوتة الشقية ذات الابتسامة البريئة والعيون التي لم تر اثما , تلك العيون الواسعة التي لم تكد تستقر على وجهه حتى تنظر للأرض خجلا تدعيه هي شرودا في ملكوت الله..."منال"ذات القلب الحنون والايشارب الوردي الهاديء والشنطة الجلد من ذات اللون والتي يفوح منها عطر لذيذ كلما فتحتها هي لترد على محمولها الحبيب المبطرخ ذو الكاميرا والألوان

يااااااااااااااه!!!كأن الزمن رجع للوراء في لحظة...تذكر حبه الصامت وجلوسه بالقرب منها في مدرج الكلية , ونظراته المختلسة , و دورانه حول مائدتها في الكافتريا ككلب...والكلب تفضحه عيونه..من أين يأتون بكل هذا الطناش والامبالاة؟...انه يشعر انه قدم من اجلها الكثير..كل هذا الصبر والمعاناة والنظرات الخجول...بل لقد اشترك في نشاط تطوعي بالكلية ليجد فرصة احتكاك واحدة...لكنه ظل صامتا كالبلاص

ياض انشف وخليك راجل

والعجيب انها هي التي بادرته بالكلام ..وازيك؟...وازاي أمك؟...قبل أن يتبادر الى ذهنه القيام بتلك الخطوة الميمونة...وعندما حصل على رقم محمولها,لم يملك نفسه من الفرحة...ولم يشعر بالدنيا من حوله...حتى لقد أعطى سائق الأجرة عشرون جنيها ونسى الباقي يومها

لكن صمته اللعين طال...واكتفى بصباح الخير وصباح النور وواصل حواراته معها في أحلامه...البنية نفسها ملت...كانت تتمنى أن تسأله يوما "أحمد؟...انت شاذ؟" لكن الأدب منعها..أكيد الأدب منعها والا فما معنى نظرة اللوم والتأنيب الصامتة التي يلمحها دوما في عينيها؟

وانتهت العلاقة في صمت وسلاسة غير عادية...ظل يرن عليها من حين لاّخر وهي اصبحت لاتطيق النظر في وجه أهله... ثم فرق بينهما التكليف ..فقط تكلمه بتحفظ وبقايا زمالة قديمة كلما التقيا صدفة في أروقة الجامعة أو المستشفى..لقد ولت تلك الأيام منذ فترة..ولم يبق منها سوى جرح قديم يحاول الالتئام

ياااااااااااه؟!!!"منال" مرة أخرى..لقد افتقد هذه الفتاة كثيرا..رحب بها بحفاوة وقلبه يرقص طربا - وكفتة - هنأته بعيد ميلاده (والله بنت حلال)... ودعته لحضور كتب كتابها (اّه يابنت ال...)0

"ألف مبروك"

قالها بعد فترة صمت قصيرة اعتبرها لاتثير الريبة..بل ونجح في صبغ صوته بنغمة (أيوة كدة ياشيخة)سيكون هنالك الكثير من الألم والبكاء وألواح الشوكولاتة أمام قناة ميلودي وروتانا...لكن بعد أن تنتهي المكالمة على خير

"لازم تيجي...الدفعة كلها جاية"

"طبعا ..طبعا..مسافة ماأأجر البدلة"

لم تضحك - كما اعتاد منها - على قفشاته هذه المرة...انتهت المكالمة بمجاملات ناشفة متبادلة...سار بعدها شاردا الى المركز...لقد تأخر كثيرا جدا...السكرتيرة تعلمه عن مقدم ثلاث حالات انصرفت دون كشف عندما تأخر البيه....شعر انه سقعان ووحيد في مكان غريب...أحسن....سافل ويستحق الضرب بالبلغة الغليظة

"طب ليه بيداري كدة...."

ملعون أبو الحب على أبو العجل... قناة الكليبات لازالت مستمرة في المركز وروبي تؤكد أن الرياضة للجميع...استرها يارب في هذين اليومين...مية جنيه معقولين برضه...لماذا اذا يشعر بكل هذا الحزن؟الأوغاد في المقهى...سيحطمهم في دورة (الدومينو ) القادمة ...وسيلتهم طبقا كاملا من الكشري وزجاجة صاروخ...ان الحياة لا يمكن أن تكون أجمل...كن بقة يخرب بيت أبوك

ومضى اليومان بمعجزة...وعاد "أحمد" لقواعده بالمقهى سالما غير غانم (لأن المية جنيه خلصوا على الأكل والمواصلات وبطارية للمحمول المحتضر وماكينتي حلاقة) الحمد لله أنه لايشرب سجائر....المقهى مليء بالطفايات دون داعي...فالناس تلقي بالرماد أرضا رغم ذلك... تأمل بقايا علبة السجائر الموضوعة أمامه وبدا يعبث بها

صحتك ...في العلبة دي

اليوم فقط اكتشف أنهم شطبوا عليه بالوحدة الأسبوع كله...أكيد فيها جزا...والمدير اللعين وعد أنه سيشطب فقط في الأيام التي يغيب فيها...(جرى ايه يابن الكلب ..أنا بحارب لوحدي؟)...البعيد جبلة...ألا يكفي "منال" ؟...ولسة هم الجيش أيضا..., و(الدومينو) ..لابد أن يموت الدش في يده مرتين على الأقل...كل مرة لازم يموت الدش...الأوغاد يجيدون الحساب....قهوة طويلة عريضة ولايوجد بها كرسي بمساند...شيء مقرف...حتى الشيشة الكانتلوب التي كان يستمتع برائحتها اختفت من السوق...الموت للمعسل وشاربيه...علي الصوت قليلا يابني...محمد منير هو الوحيد اللي بيفهم...انا بردان كدة ليه؟ ..الناس كلهم في الشوارع( كبلز)...كل واحد مأنجج واحدة وبيتكلموا...بتجيبوا كل هذا الكلام منين؟!!!الله يحرقكم...الناس كلها اتجوزت أو ارتبطت...مين شندو دة؟

"أحمد..أنت شاذ؟"

ليه السيرة الهم دي ؟...يارب استرها في كشف الجيش...والله العظيم حرام...مافيش غيري في البلد؟ انا مستعد أعمل أي حاجة بس بلاش الجيش...اللهم قنا واصرف عنا شر ماقضيت

"انا هيفاااااااااا"

وانا كمان...يارب يجيلي ناسور...بيقولوا الدوالي مابتخرجش من الجيش...اّه ..الناسور حلو فعلا...بس ازاي؟..ازاي؟

_______________________________

ولم يدخل "احمد" الجيش"....لقد تمكن ابن الجنية بابرة ضخمة وبعض الشطة من صنع ناسور عصعصي محترم وملتهب ..اثار تعاطف اللجنة الطبية..وحصل به على الاعفاء المتين...تسلم ايدك يا"أشرف " يابني...هذا الولد سيكون جراحا عظيما يوما ما

ولازال "أحمد " يحتفل بخروجه من الجيش في المقهى - رغم ظروفه الصحية - وهو سعيد رغم انه لازال يدمن الخسارة والدش في يده...فقط يؤلمه الجلوس أحيانا...ويقتطع من دخله جزءا للمراهم والمضادات الحيوية...مازال أيضا ينتظر اعلان النيابات وهو يتابع الكليبات في حسرة وربما شعر ببعض الألم وداهمه احساس بالبرودة كلما تذكر اياما مضت يحاول جاهدا الاّن نسيانها

Sunday, January 01, 2006

البرتقالة الاّلية





فيلم قديم ....!!بس فيلم - في رأيي - باشا.....0
الفيلم انتاج 1973 للمخرج العجيب "ستانلي كيوبركس" ...والفيلم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم لكاتب اسمه " انتوني برجس"0
الفيلم نفسه عمل مشاكل واشتكى منه طوب الارض نظرا لكم العنف والاباحية التي يتضمنها الفيلم ...ولذلك ربما قليلا مانسمع عنه في المنطقة العربية ...على اعتبار يعني ان احنا ناس متربيين, والرقابة عندنا ماشاء الله واعية ,والاخلاء - بالهمزة - حميدة.. وملعون ابو اعداء الوطن....قول اّمين
يبدأ الفيلم في المستقبل بمشهد في بار يقدمون فيه اللبن للرواد..!!!!ويبدأ "اليكس بالكلام عن نفسه وهو يمسك بكوب اللبن ويجلس وسط اصحابه في صدر البار...ويحكي عن اصحابه والبار الذي يجلسون فيه مع هذا المشروب العجيب..وماذا ينتون فعله في تلك الليلة0
مع تتابع مشاهد الفيلم نكتشف ان اليكس وزملاؤه عبارة عن عصابة سادية من المراهقين تستمتع بالاعتداء على الناس وتعذيبهم.."اليكس " نفسه.. بطل الفيلم , يحب ثلاثة اشياء تحديدا ...العنف...الاغتصاب...وبيتهوفن....!0
نعم...لقد كان هذا الوغد المفترس عاشقا لكل ابداعات هذا العبقري ويعتبره صديقه القديم
يخرج "اليكس" من الحانة مع رفاقه متسكعين بلا هدف سوى البحث عن تسلية جديدة لليلة...ثم يلمحون عجوزا مخمورا يغني بصوته الاجش التائه...هذا الشخص يستفز "اليكس" لسبب ما..انه لايقاوم اغراء ايذاء هذا العجوز الساذج وتحطيم عظامه ..انها نشوة لاتقاوم وهو يحطم سعادته الزائفة المخمورة بعصا البيسبول الغليظة التي ينفرد " اليكس " بحملها بصفته زعيما لتلك الطغمة المتشردة....0
لحظات ويبدأ الجنون ...تحطيم عظام العجوز..الصراع مع عصابة اخرى من المراهقين في احد المسارح...سرقة سيارة وقيادتها بجنون في الاتجاه المعاكس دون اطفاء المصابيح على ذلك الطريق الوعر المظلم...ثم انهوا نشاط الليلة بالذهاب الى منزل كاتب تقدمي - باعتبارات ذلك العصر السعيد - وبحيلة ما يتمكنون من دخول المنزل ويقيدون الكاتب ويعتدي " اليكس" على زوجته وهو يغني بانتشاء اغنية جين كيلي الشهيرة في كل الاوقات"الغناء تحت المطر"

"singing in the rain"

تلك كانت مجرد ليلة من ليال طويلة يقضونها في هذا العمل الممتع وينهي " اليكس" يومه بالاستماع الى سيمفونية بيتهوفن التاسعة وهو يحلم احلاما غارقة في الدماء...0

المهم...بعد مرور فترات من الشقاوة والبلطجة يتشاجر فيها " اليكس" مع عصابته ينهي بعدها المشاجرة لصالحه بصفته الزعيم الذي لابد وان يظل ممسكا بالزمام ويؤدب افراد عصابته بقسوة من يريد ان يكسر عينهم حتى لايرفع اي وغد عينيه في وجه الزعيم...لكن الاوغاد يتاّمرون ...وفي احدى انشطتهم الليلية العربيدة يتسبب " اليكس" في مقتل سيدة في منزلها بتمثال ضخم ..وقبل ان يتمكن من الهرب يضربه زملاؤه بزجاجة في وجهه تاركين اياه فاقد الوعي في انتظار الشرطة الذين كانت قد استدعتهم المرحومة الشكاكة قبل دقائق من مصرعها...0

وبعد تحقيقات ومناكفات بين " اليكس" والشرطة يتم ايداعه سجن العاصمة لتأهيله...وهنا يفقد " اليكس" عنصرا مهما لم يلمس غيابه قبلا ...هو حريته...وهنا تبدأ القصة..

يسمع " اليكس " في السجن عن معالجة نفسية يعرضون لها عتاة المجرمين كي لايصبحوا خطرا على المجتمع بعد الاّن...وعندما تنتهي المعالجة ..يطلق سراح السجين ليمارس حياته كمواطن صالح...

"اليكس" لم يتغير ...ولازال نفس البلطجي القديم الذي يسعى لينال حريته...وهنا تبرز فكرة المعالجة بصفتها الخلاص الوحيد من هذا المزنق العويص

وبحيلة بارعة يتمكن "اليكس" من لفت نظر الوزير وهو يتفقد السجون...والوزير بدوره يجد " اليكس" شخصا مناسبا لاجراء المعالجة ...خاصة وهي لازالت قيد التجريب

ويخضع " اليكس" لتلك المعالجة في افخم المستشفيات...(قعدة حلوة وناس طيبين أوي)...هل تعلم برنامج تلك المعالجة؟0

كان فأر التجارب البشري يخضع مبدئيا لحقن مادة ما تثير بداخله مشاعر الخوف ...ثم يقاد الى شاشة عرض سينيمائية ويقيد امام الشاشة الى جهاز يحافظ على جفنيه مفتوحين طوال الوقت ويتم وضع قطرة للعين من اّن لاّخر حتى لاتجف قرنيته أو تتقرح..طبعا كانوا يبقون العينين مفتوحتين كي يفقد (الزبون) قدرته على غلق عينيه ولايفلت من المشاهد التي ستعرض على الشاشة...0

ماذا عن العرض؟....كان العرض عبارة عن مجموعة متتابعة من اقوى مشاهد العنف والايذاء والتدمير والاغتصاب التي يمكنك تخيلها..ودون أن يملك " اليكس" ترف غلق عينيه...

ولأول مرة في حياته ...يشعر " اليكس" بالألم وهو يتابع تلك المشاهد..ان العقار يجبره على الشعور بالخوف ومشاهد العنف التى يراها مكرها ..كل هذا (الكوكتيل) جعل " اليكس " على مدار عدة جلسات يشعر بالمرض كلما رأى أو سمع مايخص العنف والايذاء...ثم كانت الطامة الكبرى عندما كانت احدى المشاهد تدور وفي الخلفية تدور موسيقى بيتهوفن...بسيمفونيته التاسعة

هنا يصيح " اليكس" في ألم:-

"كفى ..كفى...ان هذه لخطيئة"-

هنا ينتبه المعالجون ليتسائل احدهم ماالأمر...فيصيح " اليكس" بانهيار:-

-"استخدام تلك الموسيقى على ذلك النحو...ان بيتهوفن لم يؤذ احدا..انه فقط كان يكتب الموسيقى...ارجوكم كفى...لقد شفيت اقسم انني قد شفيت ..وعلمت أن لكل انسان الحق في ان يعيش سعيدا دون ان يؤذيه احدهم...أرجوكم كفى"

طبعا كان استخدام تلك الموسيقى بالذات محض صدفة ..لكنها أصابت هدفا ...وتستمر المعالجة رغم توسلات " اليكس"

وبعد أن تنتهي التجربة يعرض " اليكس" في مؤتمر صحفي على خشبة مسرح يمارسون فيها بشكل استعراضي من وسائل الايذاء ل "أليكس" مايجبر أي شخص كان على رد الأذى ...لكن "أليكس" لايملك القدرة على الرد انه يصاب بالمرض والضعف كلما رفع يده أو حتى وزه شيطان الشقاوة القديم....

لقد انتهت عدوانية "اليكس" الى الأبد...............0

ولكن القسيس الذي كان يعلم " اليكس" في السجن يصيح وسط تصفيق الحاضرين معترضا...هذه المعالجة ليست حلا..ان "اليكس" لايملك الاختيار كي يؤذي أو يرد الأذى...ان الاختيار السليم هو مايجعلنا بشرا...وليس المعالجات والاجبارات المبنية على مجموعة من الانعكاسات الشرطية

لكن الصحافة تتجاهل هذا الكلام وتعتبره (بقين وفض مجالس) وان المعالجة تمت(زي السكينة في الحلاوة)0ومالنا وهراء الكنيسة المتعنتة..ويعلن القسيس عن رأيه في كلمة مهمة قائلا:0

if a man cannot choose.....he ceases to be a man

وتعتبر تلك هي أهم نقطة في الفيلم ...الاختيار..."اليكس" الشرس بكيفه أم " اليكس" الغلبان رغم أنف أهله

"اليكس"الحر رغم اذاه...ام " اليكس" ابن الناس الكويسين ولكنه جبلة...اّلة...أي شيء غير بني اّدم طبيعي ...بعد ذلك يخرج " اليكس" ليفاجأ بذنوبه السابقة تواجهه دون ان يملك القدرة على الرد...العجوز السكير يقابله ويتذكره ويمسك به هو ومجموعة من زملائه العواجيز ويطحنوا"اليكس" الى أن ينقذه شرطيان...وياللهول...ان هذان الشرطيان ماهما الا زميلا "اليكس" السابقين من سنوات الصياعة..ويسارع الشرطيان وكأنما عثرا على مزة صيدة في الطريق باقتياد "اليكس " الى منطقة مهجورة ليوسعاه ضربا وخنقا واغراقا في بئر قديم الى أن يشرف " اليكس" على الهلاك فيتركانه لحال سبيله

وهنا يبدأ "اليكس" في الزحف الى المنازل المجاورة ليقترب من منزل تبدو عتبته مألوفة..يطرق الباب في اعياء وهنا يفتح له رجل ضخم يسارع بحمل "اليكس" الذي فقد وعيه الى الداخل لنكتشف نحن الصدفة المجنونة التالية...لقد كان هذا هو عينه منزل الكاتب التقدمي الذي اعتدوا على زوجته منذ سنوات...والاّن لاتجد اثرا للزوجة..لاتجد سوى ذلك الرجل الضخم الذي يساعد الكاتب ويرعاه بعد أن صار قعيدا لايحظى من اثاث الدنيا سوى بكرسي متحرك

ان الكاتب لم يتعرف على "اليكس" بعد لكنه لازال يشرف على رعايته حتى يتماثل "اليكس"للشفاء وفي يوم يغني اغنية جين كيلي المشئومة التي يسمعها الكاتب ويقشعر لها بدنه..لقد عرف الاّن من هذا الشاب الذي يقيم في داره..
كان الكاتب مناهضا لفكرة المعالجة وكل الافكار التي تحفز التخلي عن روح الانسان وهالته البشرية...وكان وجود "اليكس" بحالته في الدار فرصة للكاتب كي يصيد عصفورين بحجر ...يثبت للحكومة كذب مزاعمها عن المعالجة ..وينتقم لزوجته من "اليكس"0
ويأتي اصحاب الجمعيات المناهضون لفكرة المعالجة وبسؤال "اليكس" يتعرفون - ومعهم الكاتب - على طريقة المعالجة بل وعلى حكاية الموسيقى التي صار "اليكس" يخشاها
ويفيق "اليكس" يوما ليجد نفسه في حجرة موصدة من حجرات منزل الكاتب..ومن الطابق السفلي كانت السيمفونية التاسعة تهدر في ارجاء المنزل...خازوق طبعا ولا ع البال..."اليكس"يستنجد بالجميع لكن الكاتب بالاسفل يجلس متشفيا امام الجرامفون وبيتهوفن لازال محلقا في سماء المنزل...هنا لا يجد "اليكس"حلا سوى الخلاص من حياته البائسة...فتح النافذة..والقى نفسه من الطالبق الثاني
لم يمت "اليكس"...بل أصيب بكسور متعددة وكان وجوده على هذا الحال فضيحة مدوية لأجهزة الحكومة التي باركت المعالجة الميمونة وتبركت بنتائجها....0
تأتي طبيبة نفسية الى المستشفى لفحص "اليكس"الذي نلاحظ في ردوده انه بدأ يسترد جزءا من عدوانيته السابقة...ثم يدخل عليه الوزير ويبدأبعقد صفقة معه وهو يتولى اطعامه...ان "اليكس" المحترم سيكذب كل التشنيعات التي خرجت على المعالجة امام الصحافة ...سيكذب الكاتب والجمعيات المناهضة ..وبالطبع يتمتع"اليكس" بمزايا المواطن الشريف المحترم ..يل ويضمن حماية دائمة من كل خطاياه السابقة
وفي اّخر مشهد بالفيلم تعلو الموسيقى لاّخر جزء بالسيمفونية التاسعة و"اليكس" يستقبل رجال الصحافة وعلى وجهه ابتسامة جامدة بينما يرى بعقله نفسه يغتصب امرأة في بانيو وكل رجال الصحافة يصفقون له حول البانيو في حبور بينما هو يردد في نفسه
...لقد شفيت الاّن تماما
والله ياجدعان انا شايف انه فيلم يستحق..يمكن بحب كيوبركس..يمكن بحب الافلام الغريبة..يمكن -بل أكيد- بحب بيتهوفن
لسبب غامض اجد نفسي دوما مولعا باّخر دقيقة في الفيلم ..حتى كلما استمعت للسيمفونية التاسعة..خاصة في هذا الكريشيندو الاخير..كأن كل سحب الدخان والسواد تخرج ...كل الشر والسلبية ..كل مشاعر القهر والاحباط تندحر في ركن صغير من العقل لايبقى سوى احساس بالخلاص..لم يعد هناك شيء بالداخل..لانه لم يكن هناك شيء منذ البداية..
وعندما تنتهي تلك الحمى المجنونة مع اخر حركة في تلك المقطوعة العبقرية..اشعر بنفسي كدمية قطنية فرغ من شد اوصالها طفل مجنون...
يمكن ان ابكي..أو امسك بعصا المايسترو كي اقود الاوركسترا في حكمة..أو فقط اجلس متأملا..في لاشيء
وربما اكتفي بأن أقول تلك الجملة
نعم..لقد شفيت الاّن تماما
;