دوت هذه الجملة في عقل "أحمد صفوان" وهو جالس على مقهى متواضع بأحد مقاهي العاصمة وهو يتابع قنوات الكليبات التثقيفية ...في الواقع لم يكن هناك اي علاقة بين الافخاذ العارية المعروضة على الشاشة وبين أفكاره السوداوية الغارقة في التشاؤم ..لكن الجملة وجدت طريقها الى عقله واخترقت حاجز همومه للحظة واختفت كفقاعة عشوائية عاد بعدها ليتابع شريط (الشات) الاحمر وعلامات القلوب المرسومة حولها اسم لفتى وفتاة , ونسب مئوية , وتعليقات ممتزجة ببعض الصدور العارية والمخلية والكثير من القبلات والاحضان المتتابعة في سرعة
"الجنس هو الحل"
اخترقت تلك العبارة رأسه ليتجرع خلفها جرعة اخرى من فنجان القهوة السادة اصطدم بعدها بمرارة البن وقرفه ليكتشف أن تلك كانت اخر جرعة بالفنجان, فوضع الكوب جانبا ونظر في ساعته...
لقد تأخر هؤلاء الكلاب...وحدي في المقهى...ملعون أبو العيال ذوي المواعيد المضروبة...لسة الكليبات ممكنة...وانا وحيد لا يمكن أن تكون الدنيا اكثر ظلاما...نانسي عجرم دي حلوة قوي...مالهاش اخت محجبة؟...مالك انت ومال الجواز ياكلب..هو انت لاقي تاكل؟..متى ينزل اعلان النيابات؟...لسة النيابة ممكنة...يانهار السواد...بكرة عندي نوبتجية في المستشفى...حاسس اني نسيت الطب...مين الهايف اللي بيبعت رسايل على قتاة كليبات دة بس...الدنيا برد جدا..ياترى البس ايه بكرة؟البلوفر الاخضر؟ بس البنطلون بتاعه متوسخ...وبعدين شكلها كدة هاتمطر ...ياخسارة...ليس عندي جاكيت جلد للمطر..أحسن...طب والله مانا رايح
"وكل مرة ...باشوفك فيها ....ببقى نفسي أ...أ...0"
"ماتكمل ياجبان"
قالها "حمودة وهو يقتحم المقهى بصخب كعادته وفي ذيله "اشرف" و"مروان"وقد اتجهوا الى حيث يجلس "احمد"الذي صاح مغتاظا
"مالسة بدري بروح أهاليكو"
بادره "اشرف " وهو يضع موبايله وسجائره ومفاتيح المنزل(التي يحملها بشياكة على أنها مفاتيح سيارة) وقال
"هاتتنطط اشيل عدتي وأمشي...روق كدة وقوم هات الضومنة...هادعككوا يامعلم"
قام "أحمد "مستسلما لالحضار (الضومنة)على رأي "اشرف"...ان ساعتين من الحساب والشد والجذب مع تلك النخبة الحريفة كفيلة بأن ينسى "احمد" هواجسه مؤقتا
واضح من الكلام ان "أحمد" طبيب تعس أعزب في بداية فترة التكليف حيث تكثر بداخله الحوارات العبثية والافكار المتشائمة وتطفو على السطح كل الاحباطات والتأملات والرغبات الجنسية المكبوتة
"أشرف" الاليط دوما...من زملاء النضال الطبي...يعتبر أن مستقبله من الممكن أن يكون مضمونا على طريقة (أنا هاتجوز سعاد حسني ..وأعيش على قفاها)..فهو يخطط للهجرة الى استراليا عند عمه..ويعمل ويتزوج من فتاة استرالية مسلمة ...فقط يقف شبح التجنيد عائقا أمام حلمه...والويل للبشرية ان دخل ضابطا..الويل
"حمودة" لازال في مرحلة الامتياز...اعتاد الذهاب للمستشفى للامضاء ..حضور ,وانصراف...ومابينهما يقضيه متسكعا في الجامعة محاولا التعرف على الفتيات (طبعا سينبهرن بهذا الدكتور الحليوة...همة يحلموا؟) وطبعا يصحب البالطو معه في كل المصائب...واحيانا يقضيها على المقهى (مقهى الشاي أو النت...حسب التساهيل المادية)وكل هذا يتوقف على النائب الذي يرأسه...اذا كان لطيفا..نال من "حمودة"ثناءه وسجائره وأي خدمة يأمر بها الباشا وان كان من النواب اياهم..فهي ايام سوداء طويلة ومظلمة في القسم البارد المبلط بالقيشاني والذي لن يفارقه "حمودة الى المقهى الا اذا انتهى (الشيفت) ...."حمودة" حاليا في قسم التخدير..لذا تجده يقضي اسعد ايامه...وهل هناك الطف من نواب التخدير؟
أما "مروان" فهو مجرد (رفيق قهوة) و (صاحب أصحابي) ..ولم يهتم "أحمد يوما بسؤاله عن مهنته أو سنه...لم يسأله فقط سوى(معاك كام كارت) قبل أن يهوي ب (القفلة) على رؤوس الأشهاد
ثوان واصطفت احجار الدومينو الكريمة....لازال الحساب مستمرا...هدم الدور مرتين لأن "حمودة" ادعى حصوله على خمس (بفات)...من اّن لاّخر يتفحصون الكليبات ثم يتصعبون ويتابعون الدور
"اطلع بالشيش ...زميلك مزنوق"
قالها "مروان" بينما صوت كاظم الساهر يعلن
"وطوييييييييييييييل جدا مشوااااااااااااااري"
"تستاهل...حد قالك تخش طب"
"أشرف" يقولها متهكما قبل أن (يقفل) الدور ويكشف كروته ليتابع في ملل
"ستة بنط....حد هايفتح بقه"
هنا يخرس الجميع ويقوم المهزوم بعد أوراقه....لقد راحت العشرة
الدش ماااااااات..........والذكرياااااااااااااات............قالتلي دشك لن يعود
انتصف الليل...كل ذهب لحال سبيله , و"أحمد" عاد لهواجسه....0حتى (الدومينو) فاشل فيها؟...دة مش نحس....دي نجاسة..انا جوعان وحزين وعايز أروح الحمام..ذهب لمنزله مسرعا وهو يتفحص المارة والشوارع دون وعي...كل هذه محلات فول وطعمية؟...طبعا لايمكن يخسروا...هذا الشعب لايتوقف عن الأكل والنوم والمضاجعة...البنات دول ايه اللي مسهرهم للاّن...وبعدين كيف يرتدون تلك البناطيل الضيقة؟ ...قادر على كل شيء...ينظر للسيبر الكائن بالطابق الثاني من تلك العمارة الفخمة - نسبيا - ويتفحص ذلك الرجل المطل من شرفتها وهو يتحدث في المحمول بصوت عال لم يسمع منه حرفا رغم ذلك....كان نفسي يكون عندي نت في البيت...السيبر دة خراب بيوت...ابوه معترض جدا على حكاية النت ويرى انها مفسدة...مالفساد في كل مكان ياحاج؟ وبعدين اذا بحثنا عن الاباحة فما أكثر اصحابنا المتشردين من أصحاب الدش والسي ديهات ...ربنا يخلي لنا الأوروبي
دخل المنزل...تفحص طاولة العشاء...فول برضه؟!!وبارد كمان!!!..حتى العيش ناشف..ورغيف واحد..لقد نام الجميع وتركوه يصارع جوعه...مش واكل..كفاية الحمام وخلاص...فين الشبشب ياظلمة؟
لم يتغير " أحمد" كثيرا عن أيام مراهقته...فقط صار أكثر اكتئابا ونقمة...من يصدق مايدور برأسه ممن ينادونه في كل مكان قائلين (اتفضل يادكتور)0...كان حانقا على فترة التكليف الاجبارية التي يقضيها في الريف...انه من أبناء المدينة...كان يتمنى أن يكون في مستشفى كبير وأقسام ودكاترة كبار يشعر معهم بالأمان العلمي...وزملاء يستغلون طيبته ويحملونه نوبتجياتهم...وممرضات يستمتع بمناكفتهم في الاستقبال...ومرضى يشكون بلغته دون أن يقول أحدهم (يسترض) أو (يستنطق) أو (حرقان في الصفرة) - بضم الصاد - ودون أن تكون فكرته عن العلاج محصورة في محلول (الكلوكوز)- كما ينطقونها - ودون ان تكتب له الدواء كله (برشام)و(كباسين) وليس حقنا أو شرابا
كان يحب الأطفال..كان يعشق ذلك التخصص ويؤمن انه - يوما ما - سيكون طبيب أطفال مشهور بالعاصمة...لكن نيابة الأطفال تستدعي قضاؤه فترة سنتين بفترة التكليف الملعونة ...وحتى لو نزلت النيابة وفرضا حصل عليها...و فرضا جاءت في مكان معقول, فلا بد من قضاء فترة أخرى في النيابة قبل أن يحق له تسجيل الماجستير ....والجيش...يانهار أسود!!!! الواحد نسي الجيش تماما ...يارب ياخدوه عسكري...حرام يفضل ثلاث سنوات يقضيها في المرمطة في سبيل (اللي اسمه ايه دة) الواجب الوطني...ليس عدلا والله...أمال هايشتغل ويكون نفسه ويتجوز امتى؟وهؤلاء الأطباء الذين نراهم في التلفاز ويتهمهم الناس دوما باتساع الكرش وموت الضمير كيف صاروا الى ماصاروا اليه؟...يارب..عايز كرش وعربية لانسر...مش كرش كبير قوي يعني...ساعات هابقى انسان برضه وأراعي ربنا...بس ربنا يكرمنا
يرن محموله في اصرار...مسد أم اتصال؟مسد أم اتصال؟...شكله اتصال...اهذا وقته يابن ال....الأفاعي...بالمناسبة لابد من تغيير نغمة (ليلي نهاري) المملة تلك...مالها (رجب) بس...ربنا يسهل ونجد موبايل بوليفونيك وألوان مستعمل....ملعون أبو النوكيا القديم...ملعون كل ذوات (الأنتينا)...معلهش....يرد على النداء...كان ذلك "اشرف"...واليكم التفاصيل....واحد زميل يعمل بمركز طبي جاءته فرصة للسفرولابد من ذهابه للمقابلة باكرا....استعان بصديق فاستعان بصديق اتصل بنائب عظام على صلة قرابة ب"حمودة"الذي يخشى فكرة العمل الاّن فدله على "اشرف" المشغول بالعمل في مكان اّخر وسارع برمي الكرة في ملعب "أحمد"
"بس انا عندي شغل بكرة في الوحدة"
"يعني شغال في مستشفى مانهاتن ياخي"
"طب المكان فين؟"
"المركز في الدقي...عنوانه (....)....اليوم بخمسين..واقامة نضيفة بس الأكل عليك...همة يومين في الأسبوع...تلات وأربع"0
"بس بكرة..الشغل...هايشطبوا ...أصل فيه مرور اليومين دو....."0
"أصلك ابن كلب فقري...انا قلت انك هاتقول البقين دول..انا هاشوف اي زبون تاني ..دول اكتر من الهم"
"ياعم خلاص ...خلاص ...........موافق..انا اصلا ماكنتش رايح بكرة "
"أوكي ..تبقى هناك بكرة الساعة تسعة...سلام بقة اما ابلغ الراجل"
الى أين يأخذني هذا ال private?
و(البرايفت) ليست كلمة نابية والعياذ بالله....بل هو المصطلح المشهور بين الاطباء للكلام عن العمل الخاص سواء في العيادات اوالمستشفيات والمراكز الطبية أو حتى شركات الأدوية..وأصبح الجميع بهذه الكلمة ..من أهل الشنطة....عندما تجد احدهم يسير شاردا ويحمل حفيبة خفيفة معلقة على الكتف..فهذا طبيب ذاهب الى البرايفت...عندما تجد شخصا محترما يرتدي النظارة ويحمل حقيبة سامسونايت ويمشي في عجلة فاعلم انه دكتور تأخر على الشيفت...عندما تجد هذا المتأنق ذو البذلة الكاملة والشنطة الجلد السوداء فاعلم انه دكتور ايضا ..ولكن في شركة أدوية وربما يعطيك كارتا كتب عليه اسمه بكل فخر واعتزاز وبجواره كلمة
(medical rep.)
انك تجد الطرقات مليئة بذوي الشنطة والحماس المحموم ...يقابلون بعضهم البعض في الشوارع ويحيون بعضهم بهزة رأس عابرة وكأنما تعرف كل منهم الاّخر ..كأنه تنظيم سري يدور في ارجاء المدينة تحت الأرض والناس نيام...أو هو غزو من نوع جديد ....وكلمة السر بين العملاء .....برايفت
المهم...وصل صاحبنا لمقر المركز السري - عفوا... الطبي - لتقابله السكرتيرة السمراء الحسناء بابتسامة دبلوماسية متحفظة سائلة اياه عن اي خدمة ...فأخبرها انه مكان دكتور هشام ذو الشعر السايح والذي يعتذر لظروف طارئة
"حضرتك باطني ..مش كدة؟"
"اه ...ان شاء الله"
(ايوة احنا كباريه النجوم....انا الرقاصة)
طبعا هو ليس باطنة ولا يحزنون لكن فقهاء البرايفت ذهبوا للعن الامتياز والممارس العام , وذهب البعض الاّخر لكراهتهم ..والله اعلم...فالمريض دافع ثمن الكشف ليعالجه الاخصائي طبعا...الم يكتبوا على باب المستوصف..(أطباء في جميع التخصصات) مع ان معناها الحقيقي المستتر هو الممارس العام أو ال
G.P.....GENERAL PRACTITIONER
يعني لو حالة اطفال ..فهو دكتور أطفال ...حالة ولادة, فهو اخصائي النسا الوحيد بالمركز...حالة جلدية, يخلع (ماسك) النسا فورا ويعتصر ذهنه ليتذكر اسماء المراهم و(السأسأة)ويفقع الزبون روشتة محترمة محفوظة لكل حالات الحساسية(ماهي لازم تكون حساسية ..أمال ايه؟)0
اقتادته السكرتيرة ليتعرف المكان ...القى شنطته بالشقة المقابلة المخصصة للسكن وعمليات الجراحة(مع بعض)ثم اتخذ مكانه امام التلفاز ليتابع الدش في انتظار أول حالة ..وجلست السكرتيرة على بعد مقعدين منه وبدأت تجاذبه اطراف الحديث علها تعرف (لون فصه وكوريته) وأي نوع من الأطباء هو
دقائق لتدخل الحالة الأولى...ضع( الماسك) الصحيح في المكان الخالي ..حالة باطنة لعجوز شكاكة...لابد وأن يكون جنتلا حبوبا حتى يمحو نظرة الاستصغار التي رمقته بها (الحاجة)0
المسألة مسألة presentation....
تذكر الوصية الخامسة من بروتوكول البرايفت وطوح السماعة على كتفه بثقة المحترفين قبل ان يقول بنفس الثقة ..اتفضلي ياماما...(طبعا ماما)..هذه الكلمة منعشة للمريضة فهي تعطي ايحاءا بالتعامل مع طبيب عقر..عرك الحياة وعركته لابأس أن يطعم الكلام من اّن لاّخر ب(ست الكل)...ولابد من اطالة الحديث قبل الكشف...المريض يشتري وقتك قبل ان يشتري علمك الغزير.... لاتنس ابدا
انتصف النهار على حالتين فقط...ما من مشكلة....الشغل الحقيقي يبدأ عندما يأتي المساء...سينزل ليصلي ويخبط ساندوتشين من محل حقير مغطى بالهباب وجده على الناصية ...رن محموله مرة اخرى وهو يهم بالاجهاز على اّخر لقمة في الساندوتش الأول...رقم عجيب..لكنها نمرة شيك ومتكلفة ...رد النداء في وقار ليجاوبه صوت انثوي رقيق
"ازيك يادكتور"
"اهلا وسهلا..مين معايا يافندم؟"
"مش فاكرني ياأحمد؟"
"والله يافندم هوة الصوت يعني...."
"انا منال"
سرى في جسمه تيار كهربي متوسط القوة اسفر عن عرق وضربات قلب متزايدة...منال!!!؟...ياااااااااااااااااااهّّ!!!بعد هذه الشهور ؟!!
كانت "منال" هي حبه الثاني الأعنف والأكثر نضجا رغم سخونته..."منال"الكتكوتة الشقية ذات الابتسامة البريئة والعيون التي لم تر اثما , تلك العيون الواسعة التي لم تكد تستقر على وجهه حتى تنظر للأرض خجلا تدعيه هي شرودا في ملكوت الله..."منال"ذات القلب الحنون والايشارب الوردي الهاديء والشنطة الجلد من ذات اللون والتي يفوح منها عطر لذيذ كلما فتحتها هي لترد على محمولها الحبيب المبطرخ ذو الكاميرا والألوان
يااااااااااااااه!!!كأن الزمن رجع للوراء في لحظة...تذكر حبه الصامت وجلوسه بالقرب منها في مدرج الكلية , ونظراته المختلسة , و دورانه حول مائدتها في الكافتريا ككلب...والكلب تفضحه عيونه..من أين يأتون بكل هذا الطناش والامبالاة؟...انه يشعر انه قدم من اجلها الكثير..كل هذا الصبر والمعاناة والنظرات الخجول...بل لقد اشترك في نشاط تطوعي بالكلية ليجد فرصة احتكاك واحدة...لكنه ظل صامتا كالبلاص
ياض انشف وخليك راجل
والعجيب انها هي التي بادرته بالكلام ..وازيك؟...وازاي أمك؟...قبل أن يتبادر الى ذهنه القيام بتلك الخطوة الميمونة...وعندما حصل على رقم محمولها,لم يملك نفسه من الفرحة...ولم يشعر بالدنيا من حوله...حتى لقد أعطى سائق الأجرة عشرون جنيها ونسى الباقي يومها
لكن صمته اللعين طال...واكتفى بصباح الخير وصباح النور وواصل حواراته معها في أحلامه...البنية نفسها ملت...كانت تتمنى أن تسأله يوما "أحمد؟...انت شاذ؟" لكن الأدب منعها..أكيد الأدب منعها والا فما معنى نظرة اللوم والتأنيب الصامتة التي يلمحها دوما في عينيها؟
وانتهت العلاقة في صمت وسلاسة غير عادية...ظل يرن عليها من حين لاّخر وهي اصبحت لاتطيق النظر في وجه أهله... ثم فرق بينهما التكليف ..فقط تكلمه بتحفظ وبقايا زمالة قديمة كلما التقيا صدفة في أروقة الجامعة أو المستشفى..لقد ولت تلك الأيام منذ فترة..ولم يبق منها سوى جرح قديم يحاول الالتئام
ياااااااااااه؟!!!"منال" مرة أخرى..لقد افتقد هذه الفتاة كثيرا..رحب بها بحفاوة وقلبه يرقص طربا - وكفتة - هنأته بعيد ميلاده (والله بنت حلال)... ودعته لحضور كتب كتابها (اّه يابنت ال...)0
"ألف مبروك"
قالها بعد فترة صمت قصيرة اعتبرها لاتثير الريبة..بل ونجح في صبغ صوته بنغمة (أيوة كدة ياشيخة)سيكون هنالك الكثير من الألم والبكاء وألواح الشوكولاتة أمام قناة ميلودي وروتانا...لكن بعد أن تنتهي المكالمة على خير
"لازم تيجي...الدفعة كلها جاية"
"طبعا ..طبعا..مسافة ماأأجر البدلة"
لم تضحك - كما اعتاد منها - على قفشاته هذه المرة...انتهت المكالمة بمجاملات ناشفة متبادلة...سار بعدها شاردا الى المركز...لقد تأخر كثيرا جدا...السكرتيرة تعلمه عن مقدم ثلاث حالات انصرفت دون كشف عندما تأخر البيه....شعر انه سقعان ووحيد في مكان غريب...أحسن....سافل ويستحق الضرب بالبلغة الغليظة
"طب ليه بيداري كدة...."
ملعون أبو الحب على أبو العجل... قناة الكليبات لازالت مستمرة في المركز وروبي تؤكد أن الرياضة للجميع...استرها يارب في هذين اليومين...مية جنيه معقولين برضه...لماذا اذا يشعر بكل هذا الحزن؟الأوغاد في المقهى...سيحطمهم في دورة (الدومينو ) القادمة ...وسيلتهم طبقا كاملا من الكشري وزجاجة صاروخ...ان الحياة لا يمكن أن تكون أجمل...كن بقة يخرب بيت أبوك
ومضى اليومان بمعجزة...وعاد "أحمد" لقواعده بالمقهى سالما غير غانم (لأن المية جنيه خلصوا على الأكل والمواصلات وبطارية للمحمول المحتضر وماكينتي حلاقة) الحمد لله أنه لايشرب سجائر....المقهى مليء بالطفايات دون داعي...فالناس تلقي بالرماد أرضا رغم ذلك... تأمل بقايا علبة السجائر الموضوعة أمامه وبدا يعبث بها
صحتك ...في العلبة دي
اليوم فقط اكتشف أنهم شطبوا عليه بالوحدة الأسبوع كله...أكيد فيها جزا...والمدير اللعين وعد أنه سيشطب فقط في الأيام التي يغيب فيها...(جرى ايه يابن الكلب ..أنا بحارب لوحدي؟)...البعيد جبلة...ألا يكفي "منال" ؟...ولسة هم الجيش أيضا..., و(الدومينو) ..لابد أن يموت الدش في يده مرتين على الأقل...كل مرة لازم يموت الدش...الأوغاد يجيدون الحساب....قهوة طويلة عريضة ولايوجد بها كرسي بمساند...شيء مقرف...حتى الشيشة الكانتلوب التي كان يستمتع برائحتها اختفت من السوق...الموت للمعسل وشاربيه...علي الصوت قليلا يابني...محمد منير هو الوحيد اللي بيفهم...انا بردان كدة ليه؟ ..الناس كلهم في الشوارع( كبلز)...كل واحد مأنجج واحدة وبيتكلموا...بتجيبوا كل هذا الكلام منين؟!!!الله يحرقكم...الناس كلها اتجوزت أو ارتبطت...مين شندو دة؟
"أحمد..أنت شاذ؟"
ليه السيرة الهم دي ؟...يارب استرها في كشف الجيش...والله العظيم حرام...مافيش غيري في البلد؟ انا مستعد أعمل أي حاجة بس بلاش الجيش...اللهم قنا واصرف عنا شر ماقضيت
"انا هيفاااااااااا"
وانا كمان...يارب يجيلي ناسور...بيقولوا الدوالي مابتخرجش من الجيش...اّه ..الناسور حلو فعلا...بس ازاي؟..ازاي؟
_______________________________
ولم يدخل "احمد" الجيش"....لقد تمكن ابن الجنية بابرة ضخمة وبعض الشطة من صنع ناسور عصعصي محترم وملتهب ..اثار تعاطف اللجنة الطبية..وحصل به على الاعفاء المتين...تسلم ايدك يا"أشرف " يابني...هذا الولد سيكون جراحا عظيما يوما ما
ولازال "أحمد " يحتفل بخروجه من الجيش في المقهى - رغم ظروفه الصحية - وهو سعيد رغم انه لازال يدمن الخسارة والدش في يده...فقط يؤلمه الجلوس أحيانا...ويقتطع من دخله جزءا للمراهم والمضادات الحيوية...مازال أيضا ينتظر اعلان النيابات وهو يتابع الكليبات في حسرة وربما شعر ببعض الألم وداهمه احساس بالبرودة كلما تذكر اياما مضت يحاول جاهدا الاّن نسيانها
6 comments:
احلى حاجة كتبتها.انا عيطت بجد.يا ترى انا مين ف دول يا شرشر
يا راجل يا فنان انت بتجيب الموهبة دي كلها منين
بجد بجد مش عارف أقولك ايه
للأمااااااااااااااااام
دااااااااااااااااائماً
واقعية وموجعة فوق ما تتصور.
أكتب هذا التعليق وأنا أقضي أيامي الأخيرة في الامتياز وبعد ظهور نتيجة التكليف قبل أن أستلمه
هل مصادفة أن أقرأك بعد حفل تخرجي و تلاوتي للقسم الشهير؟
أنت فعلاً موهوب
If only I could read this. :-)
Greetings from Antwerpen, Belgium
واقعية جدا
(.....هاتساعدني أنقل تكليفي لمكان ممكن يعلموني فيه)
انا بردو كنت فاكرة ان الواحد ممكن يروح مكان يعلموه فيه , الواقع المؤلم ان مافيش حاجة اسمها تعليم , المكان الكويس اسم على الفاضي
Post a Comment