أيها الزائر قبري .... أتل ماخط امامك

Monday, April 30, 2007

RELOADED الابن الضال

دائما وابدا ستظل الامتحانات تذكرني بالمشهد قبل الختامي من فيلم القلب الشجاع عندما يستمر ويليام والاس في العناد ورفض الانصياع لاوامر القاضي المتشفي .... دوما اجدني اتذكر تلقائيا - امام كل ممتحن - عبارة (عذبوه بالمخلعة) في شريط الترجمة بينما يعلو صوت الجماهير في الخلفية مؤيدا ومباركا
_____________________
يقول صلاح مهنئا
بس بركة انك رجعت بالسلامة
اقول له بهدوء ان العودة جعلتني اختزن افكارا ما خاصة بالامتحانات والضغط والنفسي المصاحب لها ... وتجعلني اتساءل مندهشا بعبط الاطفال ... لماذا تسبب الامتحانات كل هذا الفزع بحق السماء؟
_____________________
في هذه الاثناء كان الدكتور (م.م) يقوم بتحضير الامتحانات التعجيزية في معمله الشرير
(مشهد 1 ليل داخلي في معمل مظلم الا من لهب سبرتاية حقيرة على تختة عامرة بصنوف ملونة من محاليل مجهولة الهوية بعضها تنز منه الفقاقيع بشراهة )
صوت كلاب شرسة محبوسة في قفص ما بالمعمل بينما شخص منكوش الشعر يرتدي البالطو يعكف على اضافة بعض الاخلاط الى بعضها البعض مع الغلي المستمر ثم يتناول بالسحاحة قطرات من سائل أحمر مريب ويقوم برشها على ورقة بيضاء خاوية بينما يغني في شرود
خمسة عشر رجلا ماتوا في امتحان تخدير
يقوم بتجفيف الورقة المبللة على لهب السبرتاية ثم يقتطع منها سلخة صغيرة يضعها بركن قفص الكلاب التي سرعان ماانزوت الى الركن المقابل وهي تعوي عواءا اليما مثيرا للشفقة بينما يسقط احدهم في نوبة تشنجات ويزرق لونه على الفور
يظهر الرضا على وجه الدكتور ويقول كلمة ما من نوعية (دي الاسئلة ولا بلاش) ... ثم يضحك ضحكة شريرة ترج ارجاء معمله الشرير يدوي على اثرهما الرعد بدوي اكثر شرا (تأثير درامي ليس الا) قبل ان يعكف على صنع المزيد من الاوراق وهو لازال يردد بنفس النغمة الرتيبة
خمسة عشر رجلا ماتوا في امتحان تخدير
_______________________
قلت لصلاح بينما هو يعبث بمحموله
في اعتقادي ان فزع الامتحانات ناجم عن مجموعة من مفردات حياتنا المؤلمة والمرتبطة بشكل وثيق بسيناريو الامتحان نفسه ... استيقاظك المبكر .... ملابسك الغير مكوية والتي تسارع لارتدائها على عجل بينما الاسهال يمزقك احشاءك (لأنك لم تاخذ وقتك في الحمام ايها العجول) ثم انتظارك للمواصلات (هذه اللعينة تتاخر دوما وتصل بعد فوات الاوان) هاجس انك ستصل متأخرا يلسعك دوما ويبلل يديك وجواربك بعرق التوتر ... وتصل الى زملائك المحتاسين وسط مذكرات واوراق لانهاية لها قبل ان يساق الجميع الى اللجان بتكنيك (يوم الحشر) الذي يجيدون صنعه ... بياناتك واقلامك وضربات قلبك المتزايدة ترج التختة رجا ... ثم ورقة ما كئيبة يخرس على اثرها الجميع ويراقبون الموزع وهو يقترب بالة جز الاعناق (لحظة اعدام وليام والاس على وشك البدء ياجماعة) .... وعندما تستقر الورقة امامك تدرك انها لحظة الحقيقة وانك انما كنت تخوض وتلعب في الايام السابقة
اعتقد ان كل تلك الاشياء المرتبطة بالامتحان هي الشيء المفزع بالموضوع ... وليس الامتحان ذاته
لكنها طقوس لابديل عنها طبعا ... الا اذا قادنا خيالنا المريض الى العالم الوهمي الذي يأتيك فيه الممتحن صبيحة يوم الامتحان وانت على فراشك ليترك لك ورقة صغيرة على الكومدينو ... وعندما تستيقظ براحتك تماما عند الساعة الواحدة ظهرا مثلا تجد الورقة بجوارك تقول
الامتحان على الرخامة في المطبخ بجوار كوب اللبن ياحبيبي
لابد اذا من الذعر والفزع والاسهال بينما احدهم يردد في الخلفية (عذبوه بالمخلعة) ... هكذا تكون الامتحانات
لكنك ( ان اردت الحقيقة) ... يمكنك ان تتوقع ان هذا الفزع والذعر يعود لأمور اخرى اكثر عمقا ... وابعد ما تكون عن الامتحانات نفسها
_______________________
ولماذا تكون الامتحانات واللجان ونظام المراقبة والدرجات المنتظرة واللهاث خلف وهم الشهادات ... لماذا يكون كل ذلك مختلفا عن اي شيء اخر نعيشه في هذا الوطن ؟
_______________________
نسيت ياصلاح انك تعلمت ان تنسى كل ماكنت تعرفه عن البروتوكولات ... تلك التعاليم الغير مرئية والتي صارت تحكم حياتنا , تجري مسرعا ... خوفا من شيء ما مجهول .... لم تترك لنفسك الفرصة يوما ... ان توقف الكادر ... لتتأمل الصورة
_______________________
بروتوكولات حكماء فرعون
البروتوكول الأول ... لستم عظماء لتكونوا مختلفين
كي تؤمن انك كالاخرين تستسلم لمنهج محكم , واسلوب تلقين منذ الصغر ... ان تردد خلف الاستاذ عبارات طويلة لاتفهمها , وتشب على ترديد الاراء المكررة والمناهج المستهلكة ... مرحلة مهمة لنزع المخ والكرامة معا ... احساس بالهوان سيطاردك , ربما تسارع بتفريغه الى من يليك في السلسلة الغذائية .... ربما تتظاهر بالحكمة والفهم وعمق التجربة ... لكنك تؤمن انك كالاخرين الذين يمشون في الطرقات (يأكلون ويشربون ويتناسلون , ويدفعون الضرائب بانتظام ) .. سيعلمك التلقين الطويل أن تكره كل مختلف باعتباره نشازا , لايعزف النغمة الصحيحة التي وجدنا عليها اباؤنا ... ستكره الاخرين لأنهم دوما عملاء , خونة , كفرة , أو في اي تصنيف سيء اخر في جداول الحياة
انت الان ولد شاطر .. يردد باطمئنان خلف الاستاذ نفس العبارات الطويلة التي لازال لايفهمها حقا
البروتوكول الثاني ... محاولة الهروب من شاوشانك دائما تبوء بالفشل ... خليك بالبيت
تستمرون في الايمان المطلق بان الاختلاف عن الاخرين يفسد للود قضايا ... وتتعلمون ان تمشون على الدرب المرسوم ببراعة باحذية اسلافكم ... الان صار الطريق اكثر وضوحا , حتى وان ساروا على نفس العقبات , وتعثّروا في نفس الحفر , وارتكبوا نفس الاخطاء الغبية ... لاتنظر حولك لأن الفلكة بانتظارك ياجابر ... انت لاترى الحارس الذي يمنعك من ان تحيد عن الطريق لكنك تتتخيل كم هو بشع طويل الانياب ... مع الوقت لم تعد تحتاج لمن يبقيك حبيس الاسوار ... انك تقوم بهذا الدور بأمانة من تلقاء نفسك ... انا الان مطمئن عليك ... لقد صار شاوشانك منيعا حصينا بفضل ابائكم الاولين ... انتم اليوم تتممون الاسطورة وستمررونها بعفوية عبقرية الى منتجات نطفكم التعيسة ... اجيالكم القادمة
انا الان مطمئن ياجابر
البروتوكول الثالث ... الكهرباء لاتنقطع عن قفص الموز
مهما تظاهرتم بأنكم اذكياء مثقفون ... لكنم تقعون في الافخاخ الساذجة وتتصرفون بسليقة البهائم العمياء ... سنترك لكم حكمتكم المنتفخة ... وستدخلون بارادتكم قفص القرود ... القفص القديم المعلق بسقفه الموز كالثريا والمحاط باسلاك الكهرباء ... وعندما تلسعكم الكهرباء الصارمة مرارا ... لن ينقذكم من الجوع سوى الفتات الحقير بالارضية .. تعلّموا ان تقتاتوا به .... وعندما يدخل المزيد من القرود .... ستغنيهم حكمتكم المكتسبة عن عناء التجربة ... وسيتعلمون ان يتقاتلون معكم على الفتات تاركين الموز... وربما ينظر احدكم يوما الى الاسلاك بحسرة قبل ان يتساءل ... لماذا لاتنقطع الكهرباء ابدا ؟
نستطيع الان فصل التيار ترشيدا للاستهلاك , مادمتم مؤمنين ان سليمان لم يمت على عصاه بعد
_________________________
قلت لصلاح الشارد
الملاحظ هنا أن النظام يعتمد علينا , ربما بأكثر ممانعتمد نحن عليه
________________________
البروتوكول الرابع ... الابطال وحدهم يصارعون لنيل الحقوق ... حكمة جديرة بالتدريس
نعم ايها السادة المهذبون .... سيصارع المرء منكم كالوحوش لينال (الحد الادنى من الحياة) ... وعندما ينال هذا الحد ستنسيه مباهج الانتصار الحقيقة البديهية الخالدة ... انها حقوقك من البداية ... يفرح المرء منكم لأنه تخطى البواب وقابل المسئول وسارت مصالحه الحيوية بالواسطة المهمة .... هذا السراب سيمتص قواك ... وغضبك المؤقت سريع التبخر سيطفئه المكسب العبيط الذي تتصور انك حققته ... ساعتها لن تفكر في البحث عن المزيد ... انت الان تعيش في افضل العوالم القابلة للتحقيق
لازلتم تعيشون داخل اضيق حلقات الدائرة .... ماحولها هو مجرد (مساحة أمان) نعرف كيف نجعلها مهابة الاختراق
البروتوكول الخامس ...عندما تقومون قومة رجل واحد ... لاتكن ساذجا .... رجل واحد لايصنع شيئا
لأنكم دوما تخافون الاختلاف ... يمكن وضع الامتحانات الصعبة , يمكن فرض الضرائب الباهظة, يمكن تطبيق القرارات الغبية ... لاأحد سيعترض ... ستنظرون لبعضكم البعض حائرين ... شاعرين بالغباء حيال ورقة امتحانكم , واقعكم , دستوركم ... تتمنون لو يقوم واحد تنهضون خلفه بحماس ... ثم تخشى ان تقوم وحدك ... فتخسر كل شيء, بينما يستسلم من حولك ... ويبدأون باجابة الامتحان في استسلام ... ستفعل مثلهم ... وستلتقط اقلامك وتشرع في التسطير ومحاولة غش الاجابات ... وعندما ينتهي الامتحان سيكون امامك وقت كافي لتسب الممتحن مساءا ... على مقهاك المفضل بصحبة رفاقك الخذولين
البروتوكول السادس ... عزبة لكل مواطن
مع الوقت يغدو تحولكم لمسوخ مسألة بديهية .... امنح كل فرد قطعة صغيرة من الكعكة يمارس عليها سلطاته الصغيرة ... امنحه مصنعا , شركة بسيطة , وحدة صحية , مخبزا , مكتبا باحدى مؤسسات الدولة
سيمارس كل كبته وحرمانه من خلال ملعبه الجديد ... ارضه المكتسبة التي اعتاد أن يملك مفاتيحها ... سيمارس مهامه بحماس وهو يستشعر القوة ولذة التحكم ... انت تمنح الخدمات للاخرين , وهم يحتاجون اليك ... الى بعض المال , الى العلاج , الى الخبز , الى المصالح التي تسير بها الحياة ... وانت القيّم على كل هذا ... استمتع وانت تمارس التحكم والاذلال اللذان طالما مارسهما الاخرين عليك في اراضيهم ... لسبب ما , تنسون انكم تحتاجون لبعضكم , لكنكم ايضا تمررون احقادكم وثأركم من فرد لاخر .... انكم تمارسون نفس الدور الذي يمارسه الحكام الطغاة على شعوب جائعة ..... فتتحولون لنسخ صغيرة ممن تكرهون ... وتمارسون سلطتكم من خلال تلك العزبة الصغيرة التي صرتم تملكونها
لاتستطيعون الان ان ترفعوا عيونكم في عين فاسد مختل ... لقد صرتم جميعا اصحاب عزب , طغاة مصغرة, داخل عزبة كبيرة
____________________________
ترى ياصلاح ان الاعتياد والتراكمات التدريجية , تمنعك من الرؤية الصحيحة ... او حتى تجعلك تتجاهل تلك المعلومات وتصاب بحالة من الخنوع والترهل ... كما ترى الحركة تعني أن تزيح طنا هائلا من التأقلم والقاذورات والاخطاء ... اعتدت الا تكون عظيما كي تقوم وحدك بالمهام الجسيمة ... بل ان احساس الضالة يهيمن عليك ... فتظل بانتظار مثل اعلى يزيح عن كاهلك المسئولية وعبء البطولة
صرت تنتظر كثيرا ياصلاح بجوار ورقة الاسئلة ... ولم تجرؤ يوما أن تتساءل ... ماذا سيحدث بحق السماء اذا تركت اللجنة؟
____________________________
مشهد 2 ... نهار داخلي باحدى اللجان ... الطلبة يجلسون في حالة توتر واسهال حادين .. بينما الدكتور (م.م) يردد تعليماته المهمة من خلف المايك
ممنوع استخدام الاقلام الملونة أو الاقلام الجاف ... الاجابة بالقلم الرصاص النصف مل ... لن يتم توزيع اسنان رصاص أو ورقة اجابة اضافية , ممنوع استخدام الممحاة أو الالة الحاسبة أو حتى المسطرة ... ممنوع الكتابة على ورقة الاسئلة ... مدة الامتحان 25 سنة ... ممنوع الخروج قبل الوقت الاصلي ... ممنوع ... ممنوع ... ممنوع ..... 0
توزع ورقة الاسئلة يعقبها حالة صمت تام ونظرات غباء على وجوه الطلبة .. ونظرات سادية غريبة على وجه الدكتور (م.م) ... بينما يردد في سره ... هكذا تكون الامتحانات
ينظر الطلبة لبعضهم ... يمسك احدهم بورقة الاسئلة , ويكورها بيده ملقيا اياها ارضا
يقوم الطلبة مرة واحدة ويطغى صوت المقاعد على صمت الصالة المقدس ويتجهون لباب الخروج ... يصمت (م.م) للحظة في ذهول قبل ان يردد كالمجانين
من سيترك الامتحان ... باق للاعادة , هيه ... انتظروا ... لن ينجح ابدا طالما بقيت بالتدريس ... سيتم تأديبكم بأسوأ الطرق ... اجلسوا ياأغبياء ... ستضيعون ... مستقبلكم ملك يدي الان .... انا رئيس القسم الأعلى ... اغلق الابواب يافرج
جموع الطلبة تتجه نحو الباب ... يمزقون في طريقهم ورقة واحد منهم فضل البقاء والاستسلام للامتحان ... يزيحون فرج عن الطريق ويغادرون اللجنة وبقايا صوت (م.م) تخفت تدريجيا وهو يردد
انا باق على قلوبكم ... باق ولن تنجحوا ابدا
حتى اختفى صوته تماما خلف وقع اقدامهم المتجهة للخارج بينما يردد احدهم
لم يكن سليمان خالدا عندما مات على عصاه
_____________________________
كان صلاح ينظر لي في عته بينما يسيل خيط من اللعاب من ركن فمه .... افاق فجأة عندما اتاه النادل لتقفيل الحساب ... فمد يده في جيبه قبل ان يقول
بس بركة انك بخير
;