أيها الزائر قبري .... أتل ماخط امامك

Saturday, December 20, 2008

الناس التانيين

هذا البوست ليس دعوة لشيء ... بقدر ماهو محاولة لفهمه

وليس لاغضاب أحد ... برغم اعتقادي أنه سيجلب الوبال على كاتبه

__________________________________

تأخرت كالعادة ولم تكن الأمور بيدي

هذه المرة ... كنت في السجن

__________________________________

قال لي الحسيني وهو يشعل سيجارته رقم 143 في حجرتنا المغلقة

لاأريد أن أكون بطيء الادراك ... لكنني بدأت أفقد احساسي بالزمن ... ولولا نفاذ سجائري لما شعرت بمرور الوقت

يمرر لي واحدة لكني صارحته بأنني من عشاق التدخين السلبي .. يتابع ببطء

أنا أخشى هؤلاء الموجودين بالخارج ... أخشاهم كالموت .... كالسرطان...كالكليوبترا الرديئة .... كعناكب أمريكا الجنوبية و أمواس الحلاقة المستعملة والعملاق الأصلع المخيف الذي شاهدته في فيلم السهرة ... أخشاهم .. وأعلم أنهم قادمون .. ولاأدري كيف أتفادى هذا أو أتعامل معه ...

صوت كعوب الأحذية والضحكات بالخارج تغزو عالمنا الباهت ... ولبعض الوقت .. عرفت أنه يمقتهم قبل أن يرى وجوههم

______________________________

الساعة 11 ونصف صباحا

انه ذلك الوقت الذي تسمح فيه لنفسك بتأمل العالم من خلف النافذة .. ومع أن نفسك مليئة بالحب والاشراق .. لكنك تحتاج أحيانا الى التسلح ببعض الكراهية .. والا ... فبم تفسر هذه النظرة التي ترمق بها الباعة المزعجين وسائقي الميكروباص السفلة من خلف الزجاج؟ .. أتراهم خبيثي النفس .. يتمنون الشر والأذى لأفندي متعلم نظيف مثلك.. ؟!!

يقولون أن العين تعشق كل جميل ... لكن المؤكد .. انها تكره كل غريب

_____________________________

الدخان من فم الحسيني يملأ المكان ... لكنه يمنح شعورا عجيبا ببعض الأمان لأنك لاتري مايحدث خلفه حقا

دوما كانوا يزعجونني ... كلمة (الناس) ... هذا الكيان ذو الثقل والغزو الشامل ... دوما كنت أتخيلهم مجموعة متداخلة من ذوي الشعر الأكرت والشوارب الضخمة الخشنة ... بعيون متسعة ..,وأفواه لاتغلق .. وقدرة مطلقة على التدنيس.. يغمرونك بأشعة حارقة من النظرات المتهكمة , المتعجبة احيانا ... يتغامزون بينهم دون مبرر واضح .. تقرب عنقك نحوهم محاولا السمع دون جدوى ... ربما لو كنت أكرت الشعر مثلهم لأمكنك أن تندس وسطهم بسهولة .. وتفعم آخرين بذات النظرات وأنت تتغامز ممسكا شاربك الضخم .. فقط لتتفادى كل هذا الألم الذي تشعر به الآن

نخاف من كلام (الناس) .. (الناس) تقول علينا ايه .. (الناس) مالهومش أمان .. (الناس) بقت وحشة أوي

صوت سباب بالخارج .. ينظر لي الحسيني نظرة ذات معنى , ويغمس سيجارته في علبة معدنية صدئة... يردد

ان المكان بالخارج ليس بهيجا على الاطلاق

___________________________

الساعة 11 ونصف صباحا ... حتى بعد الظهر

هل سألت نفسك قبلا ... ماالشيء الذي تقاتل من أجله حقا ؟ ... الشيء الذي تردد اسمه باخلاص أو تموت في سبيله .. أو تسهر الليالي متعبدا في محرابه متحسسا مشعلك , أو مسدسك , أو مطواتك القرن غزال وأنت على استعداد تام لتمزيق الآخرين ممن يفكرون .. فقط يفكرون في مجرد الاقتراب .. أو التصوير

بعض الناس لاتعتبر ايمانها مكتملا ... الا بالكراهية

___________________________

يستلقي الحسيني على سريره ويحملق في سقف المكان متسليا بالعبث في شعرات صدره ... يقول لي دون أن ينظر

أتعلم أمرا ؟ .... لو كنا أكثر عددا لكان أفضل ... ربما لأنني سأشعر ساعتها بالأمان .. وبأنني لست مجرد شخص واحد ... ان فكرة أن أكون وحيدا ترعبني حتى الموت

صوت مياه تلقى من دلو مملوء أرضا ... مياه باردة .. حتى في الشتاء

الحسيني يردد من جديد وهو ينظر لي برهبة

أنا ..وأنت ... فقط ... سيسحقوننا بسهولة ياصديقي

_____________________________

الساعة 11 ونصف صباحا ... حتى في وقت الأصيل

عندما تتجه للاستاد ... أرجوك خذ علما واضحا ...و لاتجلس في المدرجات الخطأ ... انه أمر قد يكلفك حياتك ...

اجلس ولوح ... صفق واصرخ

بييييييب .... بييييييب

أهلي

(الموت هنا للعشيرة البيضاء)

تتصبب عرقا كمحموم ... انها حمى الانتماء ... حمى أن تكون أقوى ... واعظم ... وأكثر ... اكثر من مجرد شخص ... أنت في الواقع 11 شخصا يجرون في الملعب ... بل أنت اكثر من عشرة آلاف شخص يهللون في المدرجات

بييييييب .. بييييييب

أهلي

(الموت هذه المرة للعشيرة الصفراء)

دع القوة تجري في عروقك ... لأنك الآن ... تملأ العالم

__________________________

يسألني الحسيني بجدية

هل تحب لعب (الاستميشن)؟ .... للأسف نحتاج آخرين ... معي ورق لعب ... لكن ينقصنا (كينج) القلوب .. أنا متأكد أن الأوغاد بالخارج يملكون الورقة الناقصة ... لاتبتئس .. من الجيد دوما ان تكون أكثر من 99 % من أوراق اللعب بيديك... ( من قال هذا يوما عن أمريكا؟) ... الأمريكان أنفسهم ملوا أن يظلوا اللاعب الأوحد على المنضدة .. فقرروا -لجعل اللعبة أكثر اثارة - طرح بعض الأوراق للبيع... أوراق مختارة بعناية... فهم لن يبيعوا أبدا (الآس) الذي يبحث عنه الجميع ...

حسنا .. أنا مشوش الذهن ..لكن تبدو (الاستميشن) وسيلة طيبة لقتل وقت أليم بغض النظر عن المكسب أو الخسارة .. المشكلة أن اللعب بورقة ناقصة .. يثير الجنون

________________________

الساعة 11 ونصف صباحا ... حتى عند صلاة العشاء

الشيء الذي يخيفك حقا .. أنك نسيت أنك تصلي فقط بحكم العادة ... ليس الايمان .. ليست الرغبة في التطهر .. بل الرغبة في ألا يمر عليك الوقت وأنت لم تؤدي (الواجب)

تصطف مع الجمع ... وترفع يديك المخدرتين مكبرا دون روح حقيقية لأن القلق بداخلك لايدع لك فرصة سوى للتفكير في كم الكلاب المسعورة التي تنبح خلفك ... مشاكل العمل ... لقد تأخر صرف الرواتب ومرور الشهر دون جزاءات لمعجزة حقيقية .. كم أتمنى ألا أحرم من الحوافز ... والايجار ..تبا !!.. هذا الأخير يتزايد كل عام ...والأسعار الملتهبة .. ستفسد معادلة التوازن بين النفقات والموارد ... فهذا يزيد .. وهذا يقل .. (الجيبات في الطالع والبنطلونات في النازل) .. من الشاعر الذي قال هذا البيت المشبوه؟ ... ذكرني أن نشتري ملابس للأولاد ... لماذا تزوجت؟ ... ان متطلبات المنزل تلتهم الوقت والجيب بشراهة... ميرام صارت مزعجة لحد غريب .. ترى أين ذهب هذا الحب القديم؟... هل انطفأ.. أم هدأ .. أم أن الواقع كان أقوى من شعلته المقدسة؟ ... ربما هي تعيسة ... فقط لو تبتسم بنت الكلب هذه لحطمت العالم من أجلها ... ربما أنا أيضا لم أعد ابتسم ... لماذا أشعر نحوها بالذنب والسخط في آن واحد؟ ...لقد فرغ الوقود من محرك حياتنا ... كدت أنسى ... سيارتي ليست على مايرام ... أين تجد الميكانيكي الذي يقوم بالمطلوب دون نصب أو جشع؟ ... عاطف يفهم في تلك الأمور .. تلك فائدة الأصدقاء ... فقط تضايقني نظرة التعالي تلك التي صار يملكها بعد الترقية... ان المسئولية قد تصنع بداخلنا وحوشا غير قابلة للترويض... أنا أعلم .. لكن ماذا عن الصداقة؟!... حقا .. ان صديقك الوحيد الحقيقي في هذا العالم هو أبوك ... اللهم أشفيه وارفع عنه ...هوووووب .. لقد انتهت الصلاة قبل أن أدرك .. السلام عليكم ورحمة الله

وعندما تخرج ... تكتشف أن الكلاب قد تركتك ..وأنك رغم كل شيء لازلت قادرا على الاستمتاع بالحياة... تعتبر نفسك متدينا لحد ما ... فأنت تحافظ على الصلاة ... وتتحرى الكسب الحلال ... وتحجب زوجتك وبناتك ... وتكره الفحش والسفالة ... في الوقت ذاته أنت متفتح و(سبور) وترحب بالاختلاف ... لكنك لسبب ما تملك عادة قديمة عندما تصافح أحدهم للمرة الأولى... تتفحص يده من طرف خفي

بحثا عن الوشم اياه طبعا

________________________________

يضحك الحسيني بسخرية وهو يعابث أصابع قدمه

أول مرة شاهدت فيها رجلا أشقر .. حسبته جاسوسا .. كنت في العاشرة حينها... ظللت أراقبه كأنما هو كائن فضائي ... كل حركاته تحمل غرابة من وجهة نظري ... وهو يتكلم ويأكل ويتمخط في منديله ... يالله !!.. كل هذه الشفرات والرسائل المستترة خلف البساطة ذاتها !؟... شعرت وقتها أنني (رأفت الهجان) ذاته ... وبحثت بصدق عن (محسن بيه) .. لأن الأمر أكبر مني ... ان مصر في خطر ..ولا بد أن يطلق أحدهم صفارات الانذار ... وعندما كبرت ..عرفت أي هراء كنت أعيش ... منذ أشهر قليلة عندما كنت خارج البلاد ..جلست في مطعم بالقرب من شاب يرتدي تلك الطاقية اليهودية المضحكة الشبيهة بقصرية مختزلة ... رائحة يهودية قذرة تفعم المكان ...تظاهرت باللامبالاة ورباطة الجأش لكن خاطرا مرعبا ملأ كياني .. يمكنني بالخطأ أن أشرب من ذات الكوب الذي كان يشرب منه .. وآكل من طبق أكل فيه قبلا ... هذه الفكرة جعلتني أترك المكان ... كأنني سأتحول أنا أيضا الى يهودي يرتدي القصرية ذاتها اذا لمست ماكان يلمسه قبلا .... كأنها عدوى باللمس ... الشيء الذي ضايقني حقا .. هو أن هذا الوغد كان يتفاخر بالقصرية علنا ...

كيف يجرؤ؟!!

______________________________

الساعة 11 ونصف صباحا ... حتى عند عرض أخبار التاسعة

دعك من التلفاز ... ان فضاء الانترنت الرقمي يكفل لك حرية أرقى بمراحل ...أكثر تشعبا وتعقيدا من قنوات موحدة الارسال والمنهج والرأي ...

سآخذك معي الى أكبر خدعة مارسناها على الويب ... خدعة الشخصية البديلة

النيك نيم ... شخصيتك الأخرى الرقمية .. ذات البروفيل المصور والبيانات المختارة

فيس بوك ... فيس أوف...

الخدعة المضحكة التي تراها جلية عندما تتأمل حقا ماخلف صفحات المنتديات والبلوجات والميسينجرات .. تأمل بدقة الأسماء والصور والتوقيعات لترى الخدعة الأعظم على مر التاريخ

في الفضاء الرقمي .. الكل فاضل وجميل ... الكل ساخر وغامض وعميق التجربة وحزين لأنه وحيد لم يجد من يفهمه لذا قرر أن يتحول الى شبح يهيم في فضاء الانترنت بحثا عن شيء يعلن مرارا أنه لن يجده ابدا

الكل يكره التسلط .. والاحتكار .. والكليبات التافهة ... والتحرش الجنسي ... والتمييز العنصري ... والتعصب

الكل يحب الفضيلة ... والخير ... والزرع الأخضر ... ويفهم الجمال ... ولابد أن هؤلاء الذين يعشقون القبح والفوضى والدمار هم آخرين من خارج هذا العالم ... هؤلاء الذين يملئون الدنيا صخبا وهلسا ويجوبون ممالك الليل كمصاصي الدماء

لكن اللعنة الحقيقية التي ذابت تحت جلودنا ..هي أن كل واحد قد استقر في غرفته الزجاجية معزولا عن الآخرين ... محاصرا بين السماعات والمايك والشاشة الساحرة الملونة ليمارس متعة الكلام عن الآخرين مرتديا اللباس المميز لهويته السرية ... تلك الهوية التي يحارب بها هزائمه المحتملة في عالم الواقع .. ويهرب بها الى نصر رقمي جديد

ثم يبحث عن أشباهه في هذا العالم .. وعندما يلتقون يصنعون معا مايعرف بالمجموعة أو (الجروب) ... ولأن الطيور على أشكالها تقع فان أفراد أي (جروب) في تزايد مضطرد ... تجمعهم رغبة أكيدة في اجتذاب المزيد من الاتباع , والبحث عن القوة والأفضلية .. ومن ثم تظهر الصراعات بين (الجروبات) لاثبات تلك الأفضلية ... و يبدأ تراشق الكلمات .. والاتهامات .. والحجارة

وفي (جروبك) .. تستمد قوتك الحقيقية من دماء الآخرين .. أن يكون الغربي عاهرا لأنك عربي ... أن يكون الخليجي عربيدا لأنك مصري... أن تكون النساء ناقصات عقل ودين لأنك رجل صارم كثيف الشعر لاأكثر ... أن تكون أهلاويا فيكون الزملكاوي كسيحا ... أن تتبرك بأولياء الله وتتحفز عندما تقرب الكنائس ... أن تكون مؤمنا فتكره الكفار ... وتكون سنيا فتكره الشيعة ... وتكون ملتحيا فتكره الفرافير حالقي اللحى ... وتكون أنت ..... فتكره من سواك

دوائر أصغر..... فأصغر ..... فأصغر

وفي أضيق حلقات الدائرة ... أنت معزول ... كأنك أمام شاشة كمبيوتر بين السماعات والمايك والشاشة الساحرة الملونة .. الوقت لايمر .. والساعة دوما 11 ونصف صباحا .. ربما لأن هذا هو الوقت الذي توقفت فيها ساعتك آخر مرة وأنت تتأمل الآخرين من خلف زجاج النافذة

ارفع علمك عاليا ... وردد بقوة مع (جروبك)

بيييييب بيييب ... أهلي ... المصريين أهمة... مصر دي بلد رقاصين ... ديني أحسن من دينك ... المجد لماركس... أكيد حرمة هي اللي سايقة ... كلنا ليلي ... ( ياسيدي قول كلنا لها)...حد مايحبش أم كلثوم ,القريب منك بعيد؟ (البعيد مابيفهمش) ... شعبولا هو الحل.. أنا وطني .. (وأنا فودافون)... اقف عندك , انت معانا ولا مع الناس التانيين؟ ... أنا معاكم ... أمال شكلك غريب كدة ليه ؟... ماغريب الا الشيطان .... قصدك تقول ان انت الشيطان؟

ياللسخرية ..!!؟ .. لقد تشابهنا من حيث قررنا الاختلاف !

___________________________

يقول الحسيني وعيناه تشتعلان بذكاء مهلك

أتعرف ماهي أقسى حقيقة عرفتها؟ ..أحيانا يكون أكثر الناس تعصبا هم دعاة نبذ التعصب أنفسهم.. لأن فكرة التعصب لديهم تتحول مع الوقت الى هاجس يملأ كيانهم ... أغلب الدعاة لقضية التمييز ضد المرأة مثلا .. يتصلبون تماما ازاء مايمس المرأة.. ويتحدثون باشمئزاز عن (الثقافة الذكورية) ... ويتعاملون مع مفردات هذه الثقافة باعتبارها غزو صريح لمملكة الأنثى الحصينة ... لاتكن قاسيا ... أعتقد أن البديل الوحيد المتروك أمام المرأة في هذا المجتمع العنصري هو ممارسة نفس العنصرية في الاتجاه المضاد دون وعي ... ان هاجس الفكرة يتحول بالتدريج الى هوس يجعلهم طوال الوقت متحفزين ضد هجمات الآخرين المحتملة وهم يتحسسون مسدساتهم من أسفل المنضدة الأنيقة

ان اللعبة لعبة أعلام وفرق لاأكثر ...

صارحته بأن آلام المثانة صارت لاتطاق ..وأنني أحتاج لفعل مايفعله الآخرين في هذه الظروف ... ينظر لي بشفقة

وساكت على نفسك ليه؟

يخرج مفتاح الغرفة من أسفل وسادته ويلقيه الي متابعا

اقفل الباب وراك ... نفسي أنام من غير ما يقولولي فيه حالات في الاستقبال .. الله يلعنهم

أغادر زنزانتي الوهمية في سكن الأطباء وأتفادى الأرضية المبللة التي يمسحها العامل العجوز بالخارج ...أصارح الحسيني بأنهم لايستحقون اللعن... لكنه لم يعلق ... وأدار رأسه للجهة الأخرى

أطفأ سيجارته ال257 ... وغط في نوم عميق

Saturday, October 11, 2008

البنج.... قصة قاتل

جفنه......علّم الغزل
اللحظة التي تقرر فيها أن الحياة لم تعد بهذه الأهمية .. ومشوار عمرك لم يعد فيه مايستحق ..وجعبتك قد فرغت أخيرا من الأحباء والأصدقاء هي اللحظة المناسبة تماما كي تموت
(قول مأثور... ليس له أي علاقة بألبير كامي)
ألم تمر عليك تلك اللحظة التي تمنيت أن تمارس فيها أي مهنة سوى تلك التي تعمل بها حقا؟ مكان غير المكان .. وزملاء غير الزملاء .. ونظام مختلف كليا عن هذا الذي ألفته لحد الملل القاتل؟
للأسف لم أملك يوما هذا الترف ... لكن لهواة التغيير ...أعتقد أني سأمنحهم هذا (الأوبشن) الآن
أنت الآن تمارس مهنتي الكئيبة في يومك الأول
أول مرة ...أصعب مرة ... شد حيلك
بخطوات مرتجفة تحاول اخفاءها ببعض الكبرياء والوقار .. تسير في طرقات المستشفى الكبيرة لانهاء بعض الأوراق
لقد وصل نائب التخدير الجديد
(العوالم جم... العوالم جم)

تتوقع بعض الحفاوة ... بعض الترحيب ... لكن مجيئك لايثير الدهشة أو الفرح .. يوجد منك الكثييييييييير بالداخل.. وكما يفعل الأسطى الحلاق .. والأسطى الميكانيكي .. والمعلم الجزار فور وصوله للدكان .. تخلع ثيابك الملكي الشيك .. وترتدي بتؤدة بدلة العمليات التي كانت خضراء قديما ثم توفرت منها ألوان عديدة تتراوح بين البني والأبيض والكحلي والنبيتي (حريمي بعض الشيء.. ياللمسخرة!!) ..والرصاصي .. تدخل العمليات لتجد أغلب زملاءك يرتدون الكحلي .. ولوهلة تتصور انك في احدى حلقات (بريزون بريك) قبل أن تكتشف أن المرضى المستعدين للعمليات بتلك الملابس الحقيرة المفتوحة من الخلف كاشفة عن أدق أسرار العملاء ..هؤلاء لايتواجدون سوى في مكان واحد
"يادكتور فلان ... العيان في الأوضة"
نعم نعم...أعرف .. العيان في الأوضة .. والعبارة في الشيكارة ... والختم في الدرج .. وأحدهم يجذبك من رقبتك ليرميك في الغرفة المعقمة ويستعد لجعلك تشرب (الصنعة) شربا
"أنت اشتغلت تخدير قبل كدة؟"
يقولها النائب الأكبر بتشكك ...والسؤال تحصيل حاصل .. أنت في النهاية حمار لاتفقه شيئا .. استعد اذا كي تلتقط الحرفة من (الاسطوات) ...تصطدم عينك بعينه الحازمة ... وتلتقط الماسك لوضعه على وجه المريض .. تزداد نظراته صرامة وهو يقول
"افتح الأوكسجين الأول"
أرجوك .. لاداعي لتلك النظرات القاتلة
جفنه....علّم الغزل
وعندما تتعلم أول تكنيك ناجح في حياتك (تركيب الكانيولا ...تركيب الأنبوبة الحنجرية(التيوب) ..منح البنج النصفي بنجاح ).. تطير فرحا .. وتشعر ببعض الثقة تعتريك ..بضعة أيام وستصبح العملاق المسيطر على هذا العالم ...لكن أخطاؤك القادمة ستخبرك بما لايدع مجالا للشك أن الأمور ليست بالسهولة التي كنت تحسبها
"البنج أدب ... مش حط (تيوب)0"
لكن صدقني ..لن تظل الأمور بهذا السوء ... رويدا رويدا سيمنحك النائب الأكبر ثقته .. وسيسمح لك بممارسة عملية التخدير بمفردك ... وبعد أن كان يرقد فوق كتفك .. سيراقبك من بعيد ..ثم يكتفي بالجلوس في استراحة الأطباء .. ثم تجد بعد فترة أنه قد ترك لك الجمل بما حمل ..وقرر أنك شخص يعتمد عليه
أنت الآن ...تستطيع تخدير الناس بأمان
وعندما يأتيك النائب الجديد المرتبك .. تمارس معه نفس الألعاب القديمة دون سبب منطقي
"افتح الأوكسجين الأول ... ياطروبش"
وقت العمل ... وقائمة عمليات طويلة تنتظرك ... والجراحين ينادونك كي تخدر مرضاهم مخاطبين اياك بأدب واحترام ويناولونك الأدوية والابر بتواضع مدهش ... لاتخطيء الفهم ... انه أدب من النوع الذي رأيته في المشهد الأخير من فيلم (حافية على جسر من الذهب) ... عندما يفتح الحراس الباب لميرفت أمين بأدب فائق ... أنت في حقيقة الأمر متجه الى (عزيز) الذي لايرحم العذارى .. وهو الأمر الذي ستتأكد منه بمجرد أن يغلق المريض عينيه
جفنه علّم الغزل
اليوم لايمر بدون المشاكل المعتادة ...مريض يصاب باختلال في ضربات القلب بسبب الغاز المخدر ... آخر يصاب بانقباض في الشعب الهوائية وكمية الأكسجين المطلوبة لاتجد طريقها للرئة ... المريض الذي يتقيأ نائما وتنقذه في اللحظة الأخيرة قبل أن تتسلل محتويات معدته الى الجهاز التنفسي ... الولادات القيصرية وسيدات في منتهى البدانة تكتشف دائما ان تخديرهم كليا سيكون في غاية الصعوبة وأن التخدير النصفي يحمل مخاطر أخرى عديدة ...دعك من أمراض المرضى الموجودة بالفعل (الضغط والسكروقصور شرايين القلب والحساسية الصدرية وامراض الكبد والكلى ومرضى المخ والأعصاب و...و...و...) ...التوقف المفاجيء لقلب المريض ومايتبعه من محاولات الانعاش في جو ضوضائي مفزع وأناس مهرولون وهم يجرجرون جهاز الصدمات الكهربائية الكئيب جرا... الموت يتحول تدريجيا الى شخص مألوف يتواجد في محيط حياتك كموظفي المستشفى , وعامل الأوفيس ... و الرجل الذي يمنحك الجزاءات ... 0
الموت .. انه مجرد موظف آخر في هذا المكان
(عبارة متحذلقة ... ليست لباولو كويلو)
يغيظني أن محاولات تفادي الموت .. غالبا لاتؤدي الا اليه...وعندها تكتشف أنك تجري بسرعة مخيفة في أعماق نفق مظلم في نهايته هذا الموظف الكئيب الذي يسكن المكان ... موظف مقيم ... ينتظر هناك دوما ,رغم أنك كنت طوال الوقت تخطط للهروب من بين أحضانه .. وتخطط لتفادى لدغاته المميتة .. كأنه كابوس .. أو مرض غامض .. أو فيروس مخيف متسلل
Resident Anaethesia ..... Resident Evil
الآن انظر لنفسك ببعض التدقيق ... ستعرف أنك طوال الوقت كنت تهرب من شيء ما لاتعرفه .. تغيب أكثر وأكثر في نفق مظلم عميق دون قدرة على التوقف ..محاولاتك المجنونة للنجاح والبقاء حيا ,تلك التي تعميك عن الرؤية فعلا ... تتفادى بها أنياب الآخرين .. ربما تمنحهم بعضا من عضاتك القاتلة كذلك ...تبحث عن السيطرة واجادة التكنيك .. تورث كل هذا لمن يليك في سلسلة التطور...ثم تتساءل في أوقاتك الهادئة عن سر السعار الذي أصاب العالم... تشغل نفسك بمحاولة الافلات من الموظف المقيم اياه... هذا الذي ينتظرك في أعماق النفق ...ومن حيث كانت رحلة الهرب , تأتي رحلة السقوط في براثن فيروس (ريزدنت ايفل) اللعين الذي يحيلك الى شخص نصف حي - نصف ميت .. يسير متهالكا مترنحا... مجرد باحث آخر في الطابور .. باحث عن الطعام ,عن البقاء ,عن آخر تنقل له ذات العدوى
أيا كنت .. وأينما كنت...في مكتبك .. معملك ... ضيعتك الواسعة... دولتك التي تحكم
الفيروس الذي تجاهد لمحاربته يصيبك من حيث لاتراه عيناك...0
جفنه علّم الغزل ..... ومن البنج ماقتل .0
(أغنية قديمة ليست لعبد الوهاب)0
صدقني عندما أخبرك أني أحاول الخروج جاهدا من تلك الغيبوبة .. والافلات من قبضة المرض السخيف .. ومن ظلال الغيبوبة .. اراقب -ضاحكا- نائب التخدير الذي علمته يوما وهو يستقبل النائب الجديد الهش في غرفة العمليات .. وبغلظة يلكزه في كتفه قائلا جملة مألوفة لحد الملل
"افتح الأوكسجين الأول ... ياجعر"0
بصراحة ..... لست في حاجة الى ( الأوبشن) الذي منحتك اياه في البداية ...0
انت تجري أغلب الوقت هاربا
لكن فيروس (ريزدنت ايفل) قد أصابك منذ زمن
مرحبا بك في النادي

Thursday, June 26, 2008

كارثة المترو

أحداث هذا البوست , خيالية والعياذ بالله
________________________

مطلوب رجال أمن ...0

بهذه العبارة الملطوعة بجوار شباك التذاكر .. استقبل المواطنون يومهم العادي , وهم يتجهون ببطء لقطع تذاكر المترو ...0
الحقيقة أنني - ومن موقعي كهذا كسائق عربة - صرت أتعامل مع كل مايخص العالم الخارجي (خارج العربة) بنفس المنطق الذي يتعامل به الأمريكان مع مايحدث في العالم خارج حدودهم الجغرافية ... تماما كجزيرة معزولة .. التوقف .. السير البطيء ... السير المتهور الذي يرج العربة رجا ... الفرملة .. التوقف .. فتح الأبواب و وانتظار بضع ثوان للتحميل .. كل ذلك صار روتينا يبدأ وينتهي عند نفس النقطة ... تلك التي لاتعلم بدايتها من نهايتها ولاتعلم ماهو الحدث الذي بدأ تلك الدائرة الطويلة الأبدية... تماما كما تجهل لمن كانت الأسبقية في الدخول لهذا العالم ..الدجاجة أم البيضة...0
"الأستاذ المحترم اللي ماسك الباب "
بصرامة أردد في مكبر الصوت لافتا نظر الراكب الممسك بالباب مانعا اياه من رحلة الانغلاق .. ربما يفعلها بدافع الشهامة .. بدافع الاستظراف .. دوافع لاتهمني في الوقت الحالي , ولايعنيني منها سوى أنني لاأملك متابعة السير وهو يعيق الباب بانتظار مرور مصر كلها لاتخام العربة

أنور السادات .. جمال عبد الناصر ... أحمد عرابي ... مبارك

يالله!!! متى يغيرون أسماء المحطات من باب دفع الملل على الأقل؟!0

(مطلوب رجال أمن)

انعزالي في عالم الطريق المرسوم ولوحات المحطات والأزرار والأنوار الملونة جعلني أرجيء رؤيتي لذلك الاعلان لحين فترة المساء والسهرة ... أعني بالتحديد تلك اللحظة التي أقرر فيها أن رحلة العودة للمنزل قد حانت .. وأنني صرت حرا خارج قيود قضبان المترو ... لطالما أحببت المناوبات المسائية ... عالم الليل لازال هادئا مريحا تدعمه الأنوار الصناعية الزاعقة بعيدا عن حر الشمس وزحام الناس المحموم لللحاق بأعمالهم ... في الصباح يكونون أكثر قلقا , أقصر فتيلا , أكثر سعارا بفعل الضغوط التي يولدها الحر .. والشمس .. وعقارب الساعة المتحركة ببطء نحو موعد الامضاء في دفاتر الحضور
(مطلوب رجال أمن)
في الفترة السابقة .. بدأت تزداد المعارك على بوابات المرور ... لازال الناس يحاولون التحايل على بصيرة المراقب ويفرون من قطع التذاكر ... البعض يستغل العابرين في أمان الله .. ويلتصقون بهم في لحظة المرور ليصيران كائنا واحدا ... رجل برأسين وأربع سيقان وخصرين ملتحمين التحاما مهينا... وعندما يعبر هذا الكائن الغريب الضفة الأخرى بنجاح , ينفصل الى اثنين من بني الانسان يقوم أحدهما بالاعتذار للآخر ويهرع للحاق بالعربة الموشكة على الرحيل
"لامؤاخذة ياأستاذ"

الجمهرة أمام الأبواب الاكترونية تعني أن أحدهم قد ضبط وهو يحاول التعامل مع البوابات كما يفعل الرياضين في سباق الحواجز

"عشرة جنيه يامحترم"

الغرامة الفورية عقوبة لابأس بها أبدا ... الغرامة بعشر أمثالها ... الرجل المضبوط يهلل ويقسم بأغلظ الأيمان أن التذكرة قد انحشرت في الجهاز وغاصت في أحشائه للأبد ... لكن المراقب المتحمس يجيد معرفة الكذب ويجيد تشخيص الأجهزة الشفاطة للتذاكر ويجيد تكرار الردود بشكل أكثر غلظة

"عشرة جنيه ياأكتع"

هذه المشاهد مألوفة متكررة لحد الملل ... وكان الاعلان عن الحاجة لرجال أمن لفتة طريفة من ادارة المترو لمحاولة السيطرة على محاولات التزويغ الناجحة من فخ التذاكر والغرامة والمراقب العريض

لكن الأكثر طرافة .. هو مابدأ يحدث في الأيام التالية

يخبرني رفاقي في المناوبات الصباحية (بحكم أنهم أقوى ملاحظة وأقرب لزحام الأحداث) بنتائج الاعلان ... أناس عاديين بمختلف المؤهلات بدأوا يتقدمون للادارة طمعا في الفوز بتلك الوظيفة ... أنا متأكد أني لم ألمح عبارة مثل (مرتبات مغرية) مرفقة بالاعلان... المدهش والمضحك أن من بين من يتقدمون لوظيفة رجال الأمن بعض المضبوطين بتهمة التهرب من دفع التذكرة

زوبعة قررت أنها ستمر في صمت .. سأعتادها كما اعتدت اضافة الخطوط في مسار الرحلة .. واضافة التعديلات على العربات .. واضافة الضرائب على الجميع ... في الأيام التالية بدأت أرى التغيير بدلا من السماع عنه من مناوبي الصباح

للمرة الأولى منذ تسلمت عملي بالمترو .. وجدت رجال أمن بملابس رمادية وهراوات سوداء ..ينتشرون في كل أجزاء المترو .. على منافذ التذاكر .. بوابات المرور .. أبواب الدخول الخارجية .. وحتى عربات المترو
واضح ان الادارة لم تكن تمزح بشأن الاعلان .. بعد فترة تحدد الطاقم الأمني الجديد للمترو .. وتولى قيادته أكبرهم سنا (وأكبرهم جسما وكفا بالمناسبة) .. اسمه (الكابتن عويس)0

المثير أن العساكر التقليدين .. أولئك السمر الغلابة ممصوصي القوام ذوي الزي العسكري الأبيض قد اختفوا نهائيا , كأن مشروع المترو لم يعد تابعا للحكومة .. فقررت رفع يدها عنه

يبدو أن المترو قد تمت خصخصته أخيرا!!0

هكذا!! .. بدون اشارات .. أو تمهيد أو عرض على مجلس الشعب؟... هل صارت الأمور هكذا تدار ... في السكون .. دون ضجيج حتى لايعترض أحد ؟!!! 0

"ياخوفي يابدران ليكون الدور علينا"
شلبي , زميلي الخائف دائما يستعيذ بالله ويبصق عن يساره ويمينه من باب زيادة التأكيد

"محدش عارف الشيطان بقى بيقعد في أنهي جنب دلوقتي"

حقا !!..الى أين نذهب لو قررت الادارة الجديدة التخلي عنا ؟.... ماذا يكون مصيرنا ... ؟... هل سيستعيضون عنا بمترو يعمل بالعقل الالكتروني ؟!!0
لكن الأيام التالية مرت بهدوء دون أن تظهر أي بادرة أو مؤشر لأي تبديل سوى في الحراسة

وقد بدأت الاحتكاكات بين الأمن وجمهور الركاب بعدما اطمأن الجميع لثبات أقدامهم في المكان .. وبعدما منحت الادارة رجال الأمن الجدد والكابتن عويس صلاحية مطلقة للسيطرة الأمنية الكاملة على المترو وضبط أي مخالفات

"تذكرتك ياأستاذي ..؟"

واحد من المضبوطين على البوابات متلبسا بمحاولة المرور قفزا .. يستوقفه حارسان في ظفر .. يتلجلج الرجل .. ان داء الانحراف لن يتوقف حتى تقوم الساعة

"فيه غلط ... التذكرة مرفوضة والباب مابيفتحش ..."

"طب بس وريهاني .."

"ياعم بقولك مرفوضة ... انا رميتها"

"انا اللعبة دي كنت بلعبها زمان ياروح أمك"

يمسك أحد الحارسين بياقة الرجل بشكل مهين .. ويبدأ في اجتذابه بعيدا عن البوابات ليبدأ الرجل في الصراخ

"أوعى.... نزل ايدك دي..."

يتملص الرجل محاولا الافلات .. والعبارات الغاضبة تتناثر من فمه .. وجمهور الركاب يتوقف للحظات متابعا الصراع في شغف ... تلك أشياء لاتراها كل يوم ... يهوي أحد الحارسين على وجهه بلطمة ألقته أرضا .. بينما الثاني يتناول هراوته السوداء وينقض بها ليختم الجولة

ضربة واحدة كافية لكن الحارس يستمر بالضرب عدة مرات .. ونظرة غريبة تلتمع في عينيه...0

لابد أن صدى الشهقات والتحطيم قد وصل لأسماع الكابتن عويس ليقترب من دوامة الأحداث ... ينظر للواقفين ثم يمسح المشهد بعينيه لتحليل الموقف ,ويتأمل الجسد المحطم النازف أرضا .. ينحني بجواره ليردد

"طول ماأمثالك موجودين عمر البلد دي ماهتنضف "

يأمر رجاله بطلب الاسعاف ... ثم ينظر لأكوام البشر المتناثرة في صرامة ليصيح

"يلا ياأفندية .. كل واحد يشوف مصلحته فين"

هؤلاء العساكر المتحمسين يشاهدون الكثير من الأفلام الأمريكية العنيفة ... لازالت آثار الدماء المخيفة على الأرض تغري بالتساؤل .. ماذا أفعل لو كنت مكانه؟ ... أين يذهب حقي؟ ... لا ...أنا لن أفعل هذه الأشياء المخزية .. ان الجنيه الذي تدفعه لثمن رخيص عندما تشتري به كرامتك

أشهد أن سيطرة الكاتن عويس ورجاله كانت فعالة في الحد من ظاهرة التزويغ .. لكن ... كم حادثا تحتاجه كل محطة من محطات المترو كي تندثر الظاهرة نهائيا ..؟!0

كان هذا هو الحادث الوحيد الذي رأيته رأي العين ... لكن كلاما يصلني من العربة خلفي مباشرة يؤكد لي الحقيقة ...

هذا ليس الحادث الوحيد ...0

أتذكر منظر الدماء .. ويقشعر بدني ... ثم أتناسى الأمر مرددا الشعار الوطني المحبب

مادام بعيد عن ......... كابينتي .. خلاص ...0
______________________________________

ثمة حارس جريح فاقد الوعي شوهد ملقى في الحمام وقد فقد عصاه

من يجروء؟!!0

لماذا سرقت العصا ؟!! .. ولماذا ضرب الحارس بتلك الوحشية ؟!!0

ثارت ثائرة الكابتن عويس ... ثمة تصعيد قد حدث ... ان من يضرب واحدا من رجاله هو رجل قررت شمس الغد ألا تطلع عليه .. لسوف يأتي به الكابتن عويس .. سيلتهمه كآكلي البشر الجوعى ,ويسترد هيبة جهاز الأمن في المترو ..... يتوعد ويهدد .. وينظر للناس نظرة شريرة .. كأن المجرم واحد مندس وسطهم .. ثم يذهب الى أحد المكاتب ... يغيب بداخله لدقائق ويخرج بعدها بنظرة توعد غاضبة ليقول
"اقفلوا المترو... خلاص .... مفيش ركوب .. مفقيش مصالح ..مشاوير النهاردة ... بح"

يذكره رجاله بأن اغلاق المترو واخلاؤه من رواده قد يكون عملا لاينطوي على الحكمة ... تضيق عيناه أكثر ليردد بحزم

"ومين قالك هانخلي المترو؟"

ينظر للجمهور المزدحم أمام البوابات ليكمل

"احنا هنقفل المترو ع اللي فيه"

لقد جن جنون الرجل ... وبات يتعامل مع الأمر كسرقة محل المجوهرات التي شاهدها كثيرا في الأفلام ... ان اللص بيننا وبحوزته جوهرة نجمة الصباح والتفتيش المنظم سيجعل وقوعه في أيدينا مسألة وقت

يغلق المترو؟!!!!0

كيف يفكر بالظبط هذا المخبول؟!!!0

لكن الدقائق التي مرت أكدت أنه جاد بدرجة كافية تسمح له بتنفيذ جنونه ...0

في سابقة فريدة توقفت عربات المترو في كل المحطات عن العمل في فترة الذروة ... ونزل الناس من العربات متسائلين بشأن ذلك النداء الذي خرج من مكبرات الصوت

"حضرات الركاب برجاء النزول من العربات ... حضرات الركاب برجاء ترك العربات"

الناس في حالة عدم وعي ... أكثرهم تفاؤلا ينتظر بالقرب من الباب باعتبار المسألة مسألة دقائق يعودون بعدها للنظام الذي ألفوه منذ عرفت أقدامهم طريق المترو

لكن الصدمة المباشرة كانت من نصيب أولئك الذين قرروا الخروج لسطح الأرض

كانت البوابات الخارجية مغلقة تماما

صار المترو سجنا كبيرا يضم التعساء الذين تصادف وجودهم داخله في ذلك الوقت

رجال الكابتن عويس يدورون بين الجمهور ويجردونهم من متاعهم ويفتشونها في غلظة ... ان هدفهم مجرد عصا سوداء يحملها الفاعل الشقي

اشتباكات جسدية صريحة بين الحراس والجمهور ... والضرب والصراخ صار مألوفا بعد ساعات

هذا اليوم لن ينتهي أبدا

بنشاط بالغ ينتقل الكابتن عويس بين المحطات ليصير هو الراكب الوحيد في المترو الذي يستطيع الانتقال بين محطة وأخرى في دقائق معدودة مهما بعدت المسافات كلما أبلغه رجاله بمشتبه فيه تم ضبطه في محطة ما... كنت تقريبا السائق التعس الذي انفرد به الكاتن عويس في أغلب الأوقات .. لنجري في عالم ماتحت الأرض .. في الممرات المظلمة الطويلة
صارت خطوط المترو مسخرة بالكامل لخدمة رجل واحد ألهبه الغضب الحيواني المسعور

الحظ السيء هو ماجعلني أتوقف في نفس المحطة التي تواجد هو فيها لحظة اصداره القرار المتهور

مرت ساعاتان دون أن يتغير الوضع ... واعتراضات الناس ... تحولت مع الوقت لهمهمات معترضة غير واضحة المعالم ... وآخرين يئسوا من الاتصال بكبار البلاد الذي يعرفونهم في الخارج ... ان من يحتاج لوساطة .. لن يحصل عليها الا من داخل المترو

" يابخت من كان الكابتن عويس خاله"

الصوت المتحشرج يتصاعد من لاسلكي الكابتن عويس .. لتتضح معالمه بعد ثوان

" مشتبه فيه في محطة العتبة ياباشا"

__________________________

أحيانا أخاف من نفسي عندما أراقبها تتمادى في الخطأ بحجة تنفيذ الأوامر العليا .. ولو كنت أملك حق الاعتراض .. لفضّلت ترك العربة

__________________________

أوصلت الكابتن عويس لمحطة العتبة ... وسمحت لنفسي بالنزول لرؤية المتهم المضبوط
كان رجلا متوسط العمر قصير القامة أميل للبدانة .. يمسك بحقيبة رياضية لبنية اللون ويقف مقيدا وسط حشد من الحرس الظافرين .. وأحدهم يمسك بالحقيبة ليناولها للكابتن عويس الذي التقطها برصانة وقلب محتوياتها ليستخرج منها (ننشاكو) أسود اللون .. تأمله لدقيقة بين يديه بنظرة مستاءة ... ان رجاله البهائم لم يعرفوا الفارق بين الننشاكو الصيني والهراوة السوداء التي تسلموها في يومهم الأول .. لكنه لوّح بالأداة المضبوطة في وجه القصير ليقول

"شنطتك دي؟"

"انا عايز أعرف انتوا ماسكيني ليه"
ان كل ماكان يهم الكابتن عويس في تلك اللحظة كان القبض على المعتدي المجهول .. لا البحث عن أسلحة مشكوك في هويتها

"انت مش عارف ان شيل السلاح ممنوع؟"

"دة مش سلاح سعادتك"

يمسك بطرف الننشاكو .. ثم يطوح فجأة بالسلسة المتدلية في نهايتها ليوجه بالطرف الآخر صدمة موفقة لخصية الرجل وهو يصرخ

"سلاح دة ولا مش سلاح؟!!0"

يحتقن وجه القصير ويهوي أرضا ممسكا بضاعته الغالية في ألم مخيف .. يقول بصوت ممزق

"دي مش حاجتي ... دي شنطة ابن أخويا ... هوة مستنيني برة"

يشير له الكابتن عويس في تعالي

"قوم على حيلك ... قوم"
القصير المرمي يجاهد لالتقاط أنفاسه .. ثم يشير الى الحقيبة ويحاول اتمام جملة مفهومة

"ال..البخاخة ... أبوس ايدك ... حسا...أنا عندي حساسية"

" والحساسية دي بتجيلك من الخضة؟"

لازال الرجل عند ساقه يتوسل ويحارب للتنفس .... واحد يقترب من الجمع ليقول بلهجة خطرة

"ياجماعة الحقوه .. صدره قفل ... دة عاوز مستشفى"

ينظر له الكابتن عويس بصرامة

"انت ابن أخوه؟"

"لأ ... بس.. "

"خليك بعيد أحسن"

القصير يشير بيده في ضراعة .. وصار تمييز كلماته أصعب وهو يردد في ضراعة

" البخاخة .. أنا في عرضك"

بدأ الجمهور يقترب .. وبعض النسوة شهقن وهم ينظرن للرجل ... لست أكيدا من سلامة عيني .. لكني أرى لونه يتحول للأزرق ... الأعين المتسعة تحدق بالرجل ثم تنتقل للكابتن عويس

ياجدع اعمل حاجة الرجل هيموت .... انتوا أرواح الناس ببلاش عندكم ؟!!... ياناس ياعالم ... عايزين دكتور... انت بني آدم عديم الاحساس .. يالهوي دة بيموت!! ... يلعن أبوكم انتوا ايه؟!!!0 ...

العجيب أن واحدا لم يتحرك للنجدة ... واكتفوا بالتوقف والمراقبة والاستنكار .. ولدقائق نسيت أني تحولت الى متفرج معهم .. بلا حركة أو فعل .. أنتظر من أحدهم فعل شيء ما .. أي شيء ... انقاذ الرجل المريض ... الهجوم على الكابتن عويس ورجاله ... تحطيم أبواب المترو المغلقة .. أي شيء .. أي شيء ... مشهدنا ونحن نتأمل الموقف بعيون منبهرة أعلمني بشيء واحد ..0

ان الرجل الذي سينقذنا .. لن يأتي أبدا...لأنه ينتظر معنا

ببلادة نتابع المشهد ... الرجل يتهاوى ويزرق أكثر .. والكابتن عويس يقف أمامنا عاقدا ذراعيه في ثقة ...والحرس ينتظرون الأوامر دون أن يبدوا على ملامحهم الى أي الفرق ينتمون... ونحن نتساءل .. هل مانراه أمامنا .. يحدث حقا؟!!0
يلقي الكابتن عويس بالننشاكو أرضا .. ثم يجول ببصره في الجمع بنظرات حادة ازاء نظرات الناس الغاضبة المتهمة .. يشير لي ببرود قائلا
"ارجع على رمسيس ياأسطى"
اللحظات التي تقضيها واقفا أمام قنبلة موقوتة تمر كصورة بطيئة ... وهنا لاتدري موقع القنبلة اذا كانت هي الكابتن عويس بلهجته الآمرة , أم الجمهور الغاضب ... اتراجع للعربة .. وافتح الأبواب ليدخل الكابتن عويس نظرات الناس لاأدري اذا كانت تطاردني أم تطارد الكابتن عويس .. لكني أكره البقاء معه في سلة واحدة ... الناس يقتربون من العربة المفتوحة .. يحاولون الدخول لكن الكابتن عويس يصيح بهم في صرامة
"مكانك .. كل واحد يفضل مكانه"
أغلق الباب مستعدا للانطلاق .. انظر للمشهد من جديد .. الرجل المريض لازال يصارع بعد أن ناوله بعضهم البخاخة ... يحاول التقاط أنفاسه بلا جدوى ... بعضهم يصوب نظرات حقودة الى العربة .. وحركة شفاههم أعلمتني أي الشتائم يطلقون ... الكابتن عويس يطرق الزجاج الفاصل بيننا ليردد
"ماتطلع .. احنا هاننام هنا؟!!0"
أعرف أن رجوعنا للمحطة الرئيسية لن يكون النهاية ... سيكون بداية متجددة لحدث متكرر ... الكابتن عويس سيجوب المحطات .. والناس ستنتظر حتى يجد بغيته .. أو تهبط الرحمة في قلبه
أنظر للأزرار ... هذا الرجل سيمضي في سحقنا جميعا دون أن يطرف له جفن ... بحكم منصبه ... بحكم مسئولية تأمين المترو ربما ... بحكم كل هؤلاء الحرس المنتظرين في خدمته ... بحكم السيطرة الممنوحة بلا حدود
أتطلع للأزرار مليا
السيطرة .. هي كل شيء
طرقات عصبية على الكابينة ولهجة الكابتن عويس الحاسمة المستفزة تغمر حواسي لأغرق في احساس كريه من الجبن .. ورهبة الصوت العالي , والاحساس بالعجز والضآلة .. آخذ شهيقا .. أقترب من مكبر الصوت بالروح العدوانية المفاجئة التي أشعلها الضجيج
"الأستاذ المحترم اللي بيخبط ع القزاز"
وقبل أن يستوعب الكلمة .. كنت أضغط الزر الصحيح من البداية
زر فتح الأبواب
تفتح جميع الأبواب أمام الجمهور الذي توقفوا لدقائق محاولين فهم حقيقة الموقف بعد ان اعتادوا البقاء في المحطات .. الكابتن عويس يطرق على الزجاج في غضب استحال جنونا مع مرأى الناس تقترب من مدخل العربة
"اطلع ياحيوان ... بقولك اطلع ... مكانك انت وهوة"
الناس الواقفين على وشك الدخول يرمقون الكابتن عويس بذات النظرات الغاضبة ... شيء غامض يمنعهم من ركوب العربة .. صراخ الكابتن عويس .. تلويحه بالعصا ... حالة من عدم التصديق ... ينظرون لبعضهم البعض .. كأنهم يدعون بعضهم بعضا للدخول .. يقترب الكابتن عويس من الزجاج الفاصل بيننا ويطرقه بعصبية بهراوته السوداء .. الزجاج يكاد ينهار من شدة الضربات ..ينتوي الدخول للعربة للفتك بي ... الزجاج يتشقق أكثر وأكثر ..يصرخ بأعلى صوته في جنون كامل
"اقفل الباب بقولك .. اطلع ....
......اطلع
....اطلع"

Thursday, April 03, 2008

عندما نخرج جميعا من اصلاحية شاوشانك

تذكرت فجأة المثل الروسي ( على ماأذكر من جنسية المثل) .. الذي يتحدث عن بيع فراء الدب قبل صيده
ماذا يحدث عندما نكتشف أن لون الحياة يستحيل تدريجيا الى اللون الوردي الفاقع
وأن معاناتنا اليومية , ودراما أكل العيش , والذل والهوان والتعاسة , والقهر .. وكافة المشاعر السلبية قد انتهت من العالم
ماذا يحدث عندما تندحر الديكتاتورية , وتنتهي اسرائيل , وتندثر فوازير رمضان من الوجود؟
ماذا يحدث بعد أن ندخل الجنة؟
المدهش انك بعد فترة طويلة قضيتها تكافح مع مبدأ ما ... او تقاتل ضد اخر ... تنسى كل هذا الدوار والزحام المشرب بالنقاش الحامي على المقاهي .... المقالات الغاضبة ....ربما بعض الكوابيس

اغلق الشاشة قليلا

حسنا ... ماذا بعد؟

ماذا نبغي حقا من كل هذا القرف ؟

الزعامة ؟.... البطولة ؟. .... محاولة مضنية للبحث عن الذات ؟.... هل تحاول جديا تغيير العالم؟ .... تبحث عن السلام والعدالة والحق والجمال؟ ..... تبا !!! ... ماذا تبغي حقا؟
هذه الشرارة المشتعلة داخلك ... تلك التي تبحث عن معنى للوجود ... نعم ... بنت الكلب هذه ... امسكها .... تأملها جيدا.. تأملها لترى داخلها نفسك .. احباءك ... اعداءك ... الأعداء الذين أوجدتهم ليحلوا محل أعداء اخرين وهميين في عقلك يجسدون كل ماتخاف وتكره وتقشعر منه في فراشك ليلا فتسحب الملاءة لتغطي جسدك رغم حرارة الجو
انهم جميعا هنا بالداخل ... أصدقاء و اعداء ... احلام والام
صور تخيلية منحتك سيفا خشبيا ..ودرعا من الورق.. وعبط الدون كيشوت
انهم جميعا هنا بالداخل ... معارضة وحكومة ... حب وكراهية

ل ...لكنني احتجت لوقت طويل .. كي أدرك اني دخلت غرفة كبيرة ... مليئة بالعرائس ... ووزعت عليهم الادوار .. وبدأت احركهم وفقا لأحداث مسبقة استحضرتها من اللاوعي .... حبايبي الحلويين ... اليوم سنحكي قصة الوحش والأبرياء
وتنتهي القصة ... وغدا .. واحدة اخرى ... اكثر امتاعا , اقل امتاعا .. لكنها بذات العرائس الموجودة في الغرفة سلفا

انهم جميعا هنا .... ملائكة وشياطين ... جنة ونار

ويتلون العالم بلون عالمك الداخلي ... اسود , ابيض , فحلقي داكن يميل للصفرة (لاتسألني ماهو؟)0 ... ويتجسد أمامك الوهم في صورة ملموسة ومرضية ... اعدائي لهم الكره والاحتقار والالم ... اقذف بهم في النار
عندما يبدأ يومك ... انظر جيدا لهؤلاء الذين تشاهدهم في الشوارع .. في العمل .. في التلفاز .. في الجريدة ... اولئك الذين قمت بتنميطهم الى ناديين .. فريق الاخيار .. فريق الاشرار ... النتيجة صفر: صفر ... لازلنا في بداية المعركة
ماذا يحدث عندما يترك العنتبلي مكانه المفضل؟

لاتجب ... اعرف سلفا ماقد يجول بداخلك ... ستشرق الشمس , وتنعكس الاشعة على قوس قزح الجميل , وتغرد الطيور أجمل اناشيد السماء ... ستنمو للناس اجنحة بيضاء على ظهورهم وتظهر تلك الهالات المضيئة فوق رؤوسهم ... وسيحلو طعم البطيخ في ايام الصيف حتما بعد ان ظللت لعهود طويلة تشكو من (طعم الأشياء الماسخ) ...

هل حقا ان انتظارنا للحل الخارق من السماء .... هو الذي جعلنا نعلق عليه كل تلك الاّمال؟
لازالت النتيجة صفر :صفر .... اعتقد أن الأمور بحاجة لبعض السخونة

ألاترى بربك كيف صرنا نحيا حقا ؟!!! 0 .. نقوم صباحا .. نغسل وجوهنا من اثر الليل ... ثم نلعن الماء الملوث (أو المقطوع حسب موقعك الجغرافي من هذا الوطن) ... ننطلق في مواصلات حارة خانقة .. ثم نلعن الزحام والتكدس وسعر البنزبن المرتفع .. نرتمي على مكاتبنا ... ثم نلعن الواسطة واهدار الكفاءات والروتين اللعين ... نستريح لأداء صلاة الضحى ... ثم نلعن الماء الملوث من جديد لأن عدد الكائنات السابحة في شاي (الاصطباحة) صار أكثر مما يطاق

نمارس مهام عملنا ... ثم نلعن الناس الذين لايفهمون كيف يجري العمل هنا ويرهقوننا باعادة شرح الأمور .. اولئك الذين نحب وصفهم ب(البلاوي اللي بتتحدف علينا) .... نذهب للصراف لاستلام الراتب... ثم نلعن الخصومات والجزاءات ... نمضي في رحلة العودة ... ونلعن المواصلات من جديد ... ثم نلعن بعضنا لأننا قررنا جميعا ان ننصرف في نفس اللحظة فتكدست بنا المواصلات ... وتوقفت الشوارع ...

موعد الطعام .. نلعن الجبنة الفاسدة ... والخضروات التالفة .. والخبز الرديء الذي لايوازي بحال القدر الذي انتهك من كرامتنا سعيا للظفر به في طابور ممل سخيف وقاتل أحيانا (لو كنت لازلت حقا تستطيع ارتياد تلك الطوابير ) ... نلعن التلفاز ذو القنوات المملة أحيانا أو الخليعة أحيانا...نتناول الريموت طمعا في شيء مفيد أو مسلي ثم نكتشف أن الريموت لايعمل لأن البطارية ضعفت من فرط التشغيل ,ثم نلعن صاحب الوصلة الحرامي ... نصفع الأولاد ونأمرهم بالنوم ... ثم ننبطح فراشا ... وقد علمنا اخيرا أن المتعة الوحيدة الباقية في الحياة بين الأزواج قد صارت مستحيلة بعد هزيمة مريرة في كل المجالات على مدار اليوم , وأن مابقي من ممارسة الحياة .. ليس الا روتين ميكانيكي خاضع ل(تساهيل ربنا)

انا نسيت ... انت نسيت ... انه في خضم هذا الصراع اليومي ... لعنتك ولعنتني الاف المرات .. دون أن نعرف من المتضرر حقا ... أنا جارك في المواصلات .. وزميلك في العمل , و(البلوى) التي أتت تسألك عما تفعل بخصوص أمر ما .. انا وأنت .. من نعمل بالفرن .. ومحطة المياه... نلوث النهر ... ونسرق الوصلة .. ونبيعها للاخرين ... نلعن بعضنا ... ثم نهرش في غباء متسائلين عمن افسد الجبنة , وأتلف الخضر , وجعل وجه الخبز كحذاء صانعيه
انهم جميعا هنا ... مانحي الخدمات ومتلقييها ... ملوثي النهر.... وشاربيه

لازالت النتيجة صفر: صفر ... أمر عجيب ألا تأتي الاهداف بعد مباراة بهذا الطول
هل حقا .. لازلت تؤمن أن هناك فريق للأخيار .. وفريق للاشرار... نلعب مباراة أبدية لايربح فيها احد؟

نتساءل عن تلك اللحظة الذهبية التي نفر فيها جميعا من شاوشانك ... ربما لو فررنا الى الجنة ... لحملنا معنا كل متاعبنا وشكوكنا , وخبزنا البائس ... ولارتدينا لباس الفريقين .... الاخيار ... والأشرار ... لأنهم جميعا هنا منذ البداية
هم دائما .. حيث نذهب
هم دائما ..... نحن

اعتقد أن الهروب الحقيقي ... هو ذاك الذي نفر فيه من كل تلك الصور التي ملأت اعيننا ... فنرى الأمور على حقيقتها ... الأصدقاء .. والأعداء ... الأخيار .. والأشرار .... ونكف عن لعبة العرائس الأزلية , عندما نمنح كل مخاوفنا والامنا .. اسما .. ونحله في جسد واحد نكرهه .. تنتعش الحياة بهزيمته
نرى لحظتها أننا لم نكن نقهر اعداءنا .... ولم نكن نفتك بمخاوفنا ... اننا حقيقة .. شرعنا في التهام أنفسنا

عندها .... ربما حقا .. تشرق الشمس على قوس قزح الجميل ... وتنمو الاجنحة , وتظهر الهالات المضيئة فوق رؤوسنا .. ويحلو طعم البطيخ في أيام الصيف
عندها ... ربما يترك العنتبلي مكانه المفضل ...وتندحر الديكتاتورية .... وتندثر فوازير رمضان من الوجود
عندها ... ربما نكون قد خرجنا جميعا من اصلاحية شاوشانك
________________________


مللت من الاعتذارات , تماما كما مل منها الجميع ... لكن أكرر ... انا اسف على أي تأخير حدث طوعا أو كرها
من شاء لعن , ومن شاء سامح .. وللجميع الحب والاحترام

أتتني دعوة من أطباء بلا حقوق على أساس أن أقوم بالتعريف عنهم .. أعتقد أن كلامي لايضيف لأنهم معروفون فعلا , بمحاولاتهم الجدية لكسر الأسوار بعد عهود طويلة من الخنوع والخوف والجهل اصلا بأبسط حقوق الحياة, لن أتحدث هنا عن مشاكل تخص الأطباء عندما نشكو من المادة , ونستجدي كادرا ... ونهدد باضراب ,أو أضعف الايمان ... اعتصام .. عندما يتصور الجميع ... حتى نحن .. أننا أشبه بمجموعة بائسة من الفلاحين تتجمهر عند قصر المنوفي .. مطالبة بزيادة( اليومية) وقد تفرقهم رصاصة في الهواء أو تلويح مهدد من اصبع (الكبير) ... لا , لاأحب تلك الصورة ... لكني- كالجميع -أريد أن أصنع شيئا واحدا محترما في تلك الحياة , ولو كان اتفاقا على أمر واحد ... فقط اتفاق , لاتفرقه رصاصات مسدس المنوفي .. ولايخضع لاصبع (الكبير) المرعب.. لأننا - أبدا - لسنا هؤلاء الفلاحين البائسين ... 0

لانستجدي ... لانتسول

ليس للأطباء فقط ... بل لكل من يحق له الحياة على تلك الأرض .. كانسان ... فقط كانسان

سمه الكادر .. سمه الخبز ... سمه الماء النظيف ... سمه مكانا امنا لأجيالك القادمة دون كلاب بوليسية عشوائية الهجمات
العادة ... تقتل الطموح
تذكر .. تذكر .. الرقم ستة
لانستجدي ... لانتسول
لكن ... عندما نتحد سويا لكسر الأسوار
كسر العادة
كسر الخوف
وعندما نرى النور بأعيننا من خلف الجدار

سندرك حقا كم يستحق ...أن نعيش جميعا خارج جدران شاوشانك

Tuesday, January 15, 2008

الاغواء الأخير للعنتبلي

.d;في احتفال بسيط ... توّج العنتبلي مديرا عاما للشركة الوطنية لانتاج البلاستيك
___________________________

يقول العنتبلي في أوراقه المخفية :-0
يومي الأول في مكتب المدير
لم يتغير روتين الحياة كثيرا بعد منصبي الجديد ... لازلت اسير في ذات الطرقات بين نفس المكاتب ... فقط يختلف تصميم الكرسي الذي اجلس عليه وتتسع مساحة الحجرة لتتساوى مع اهمية الموقع الذي احتله

بدأت حياتي العملية موظفا عاديا بالشركة ... الترقّي مجرد عملية ديناميكية خاضعة للوقت وبعض الجهود والتزكية ... هي حتمية كالقدر مالم تصطدم بالمشيئة الادارية ... وكانت المشيئة الادارية تعمل لصالحي ... وهي التي جعلتني في قفزة مفاجئة نائبا للمدير السابق وذراعه اليمنى متخطيا بذلك رقابا كثيرة طالما لمحت في عيون اصحابها , الغلّ والتربص ... ثم اتت مشيئة اخرى اعلى ... المشيئة الالهية , عندما لقي المدير السابق مصرعه بين انياب الماكينات الجديدة التى سعى بنفسه لتطويرها املا في النهوض بانتاج الشركة

حادث مؤسف ... خفف قليلا من صخب الاحتفالات المعهود احتراما لذكرى العزيز الراحل .. وجعلني في ذات الوقت مديرا ومتحكما .. ومقررا لذات المشيئة الادارية التي اتت بي يوما .. اعطي وامنع ..اكافيء واعاقب ... سلطة مخيفة .. محت نظرات التربص التي لمحتها من البعض , وأتت مكانها بنظرات الاحترام والتبجيل المحلاة ببعض الرياء ... رياء لااخطيء تمييزه , لأنني اتوقعه .. ربما .. ولأنني كنت يوما ما .. واحدا من هؤلاء...لذا افهم جيدا مشاعرهم وخواطرهم ومايحدث تحت جلودهم الخشنة

لم يتغير روتين الحياة كثيرا ... لكن رؤيتي للحياة وللاخرين هي التي اختلفت

_________________________

المتجه الى الخزينة يلزم اقصى اليمين ... المتجه الى مكتب العنتبلي يلزم الأدب
تحديات الادارة ... قائمتي مزدحمة بالأعباء والأعداء ... ذهني منشغل بمحاولة التوازن والبقاء اكثر من انشغالي بسير العمل في الشركة ... ممارسة السلطة شبيهة برياضة ركوب الأمواج لممارس مستجد , المهم في الأمر الا تبدو مستجدا لأنك ستسقط مع اول موجة تثير صيحات جمهور الشاطيء .... بدأت في وضع الخطط وتنفيذها طمعا للتفرغ فيما بعد لرخاء الشركة

كانت اول خطوة هي اكتساب الارضية ... النعم الادارية تذيب الاحقاد , تصنع العبيد ان شئت ... الترقيات والمكافئات لاتكلف جيبك عبئا ... بعد ذلك تصير لقراراتك القادمة شرعية على ارضية جماعية مؤيدة ... ومن هنا اصدرت ثاني قراراتي .. تكهين الماكينات الجديدة ... العاقل من اتعظ بسلفه ... انا بصدد شراء ماكينات اخرى اكثر امانا فور ان تستقر الأمور بالشركة ... يمكن لمسيرة الرخاء ان تنتظر قليلا

كنت ارى بعين الطائر مايدور في المكاتب المعزولة خلف اكوام الملفات القديمة ... رشاوي .. عمولات .. اختلاسات ... دعارة وظيفية متكاملة .. دعارة , اعلم جيدا افرادها المنظمين,واشم رائحة فسادهم كالعرق .. ..كأكياس القمامة ... في المكاتب المعزولة بين اكوام الملفات القديمة .. حيث يتراكم الموظفون في ظلام الشقوق بعيدا عن نور الرقابة .. وبخيوط الفساد اللزجة .. يبنون بيوتهم ومخابئهم ... مملكة كاملة بين الجدران .. في المكاتب المعزولة خلف الملفات القديمة .. كثيرون .. كحشرات مختبئة في ركن بعيد .. تهاب الاقتراب منه خشية اللدغات ... لدغات لن تقتل .. لكنها لن تجعلك سعيدا

ومن هنا ظلوا يتراكمون .. ويتعاظمون .. بل ويتكلّسون .. تماما كجير الاسنان .. وصارت مملكتهم شبه منيعة على الاقتحام ... ومن هنا نشأت بيننا معاهدة غير مكتوبة .. بالا يتعدى عفنهم .. عتبة شقوقهم ولايتجاوز صدى فحشهم حد الهمس...هم ايضا حفظوا العهد.. فضمنوا البقاء ... وتظل اياديهم الموافقة وصيحاتهم المؤيدة مضمونة في صفي استخدمها لمصلحة الشركة.. خلا واحد او اكثر .. يتجاوزون الحد الامن .. فيسحقهم نعل القانون كالصراصير .. ومن اشلائهم يتصور الجميع من خارج اطراف اللعبة ان العدالة لاتعاني من عطب .. وانها تعمل بكفاءة ممتازة

قد لاتعاني العدالة من عطب .. لكن نعلها لايطال الشقوق
___________________________

انتبه من فضلك ... الشركة ترجع الى الخلف
لكن لاشيء يبقى مستقرا دون مشاكل على سطحه الهاديء .. ولا يوجد مدير دون مخاوف دائمة وهواجس خفية .. ولايوجد مايقلقني قدر الانهيار والسقوط ... لفترة توقفت عن النظر الى نفسي كفرد .. تتغير نفسيتي منذ مدة لتتواءم مع مشاعر التحكم والاحساس بالقوة الخارقة .. قوة القرارات والامضاءات والأختام .. لكن في لحظات قليلة خاصة جدا ... عندما يختفي المرؤسين , وتغلق المكاتب .. وتطفأ الأنوار .. اتذكر احاسيس البشر .. الفردية .. الضعف ... والخوف... لاشيء يجعلنا اقوياء قدر اناس تؤكد لنا ذلك ... .. تجعلنا نصدقه وتجعله يقينا .. لكني صرت مؤخرا استيقظ خلال فترات نومي المتقطعة على كوابيس .. ارى نفسي فيها وقد انسحبت من تحت قدمي سجادة الادارة .. اسقط كطفل تعثر من على عجلته المسرعة بينما جموع لاتنتهي من الناس تسعى خلفي.. تكرههني. تبغي قتلي ... وستفعل ذلك فور ان تصل الي .. وينتهي الكابوس ... ويتبقى الفزع , والعرق البارد

ازعم اني قدمت الكثير للشركة خلال فترة ادارتي ... اعتقد انها نهضت عن ذي قبل .. لكن السلطة والهم .. توأمان لايفترقان... والاحساس المستمر بأن من حولك لايرون ماترى .. لايشعرون بان الأمور أفضل .. هذا الاحساس يلازمني كرجفة الشتاء ... احساس يملأك بالكابة ... ويجعلك تعادي هؤلاء الذين لايعجبهم سير الامور ... صرت اكرههم , اكره تحفظهم وحماسهم المنطفيء عندما نتحدث عن انجازات الشركة ...و صار ضجيج الماكينات التي كهنتها يوما يعلو بصورة غريبة ... هاجس اخر يضاف الى قائمة الكراهية

ويبدو ان نفسيتي تنعكس على أداء الشركة... صارت الكراهية سافرة بين موظفيها. كأنما انقسموا الى فريقين متناحرين ... فريق المقربين , وفريق المبعدين .. فريق يفوز بالحوافز والعلاوات والترقيات السريعة .. وفريق اخر يلعن ماالت اليه الشركة ويعلن عن نفسه باستمرار في صندوق الشكاوي .. طعنات متبادلة بالاتهامات...وسباب بلغة ادارية محنكة ... فوضى ... احيانا يخيل الي ان الكل قد نسي عمله الحقيقي بالشركة وصار عمله الجديد هو اثبات الذات ... لم اعرف منذ الوهلة الأولى ان الصراع صراع بقاء .... لكن الامور تغدو اكثر وضوحا .. عندما يتحدث الموظفون باستمرار عن المرتبات الزهيدة .. وخط الانتاج المنحدر .. ويصرخون معلنين عن فساد زملائهم .. ويحاربون كمجرمين سعيا خلف مكاسب هزيلة يحسبونها نعيما مقيما

عندما يبلغون هذا الحد من الغضب والكراهية والسعار والرفض ... فهم يناضلون من اجل البقاء .. لأنهم اكتشفوا انهم في واقع الأمر ... يحتضرون
__________________________

لمن أترك كل هذا ....؟
شيء غامض جعلني ابقى على كرسي المدير ... ربما هو مزيج معقد صنعه احتراف الادارة ,مع ارضية ثابتة اجدت تخطيطها , مع خوف الموظفين المستمر من التغيير .. مما يجهلون ... مهما سخطوا وتذمروا ... لم يفكروا حقا في مدير جديد .. ربما لأنهم لايعلمون واحدا ... لم يعودوا يرون سوى السواد ... ولم تشم انوفهم سوى العفن ... ولم تعتد اذانهم الا على احاديث الخيانة والسرقة , ادمنوا عالمهم المقرف كما يدمنون سجائرهم بكل ماتفعل بهم من سعال ومرض ... امر غامض جعلهم يباركون استمراري مديرا لشركتهم الدورة تلو الاخرى

تبلى الكراسي .. وتشيخ الوجوه .. وتتحول الشركة امام عيني من مصلحة تدار .. الى بيت األفه وأحفظ أركانه ... ... احس خصوصية جدرانه وماتحويه من مكاتب وموظفين وملفات ... كأنما هي أشياء تمتلك بحكم الأقدمية وتنضم الى ميدالية المفاتيح ... الأقدمية تصنع الألفة
هناك أشياء تتم دون تخطيط ... كأن أبدأ في اصطحاب ابني الى الشركة ... يقضي بها الساعات يدور بين المكاتب ويداعب الموظفين ... كان مروره متقطعا في البداية ثم مالبث ان صار شبه يومي .. وقد شجعه الترحيب الحار , و الاحترام الفائق الذي يلقاه .. واحساس منطقي بهيمنة والده المطلقة على عالم الشركة
في البدء شجعته على الاقتراب من هذا العالم ... ومعرفة خباياه ... ثم بدأت بذرة صغيرة تنمو داخلي على استحياء ... كأنما ابغي ترك جزء من ذاتي في هذا المكان ... تشجيع الموظفين المقربين جعل الفكرة تختمر في رأسي وتصبح هدفا تصنع له القرارت ... من قد يدير شركتي افضل من واحد من صلبي ؟

قمت بتسريب شائعات في أرجاء الشركة بهذا الخصوص طمعا في جس النبض .. لازالت تصلني بكفاءة أحاديثهم الخفية ورفضهم , وحتى نكاتهم اللاذعة ...لكن الالحاح يصنع المعجزات ...ومايكرهه الناس اليوم , قد يقبلوه واقعهم غدا .. فقط اذا مادأبت على ترديده .. كأنما هي تعويذة سحرية تستمد قوتها من التكرار .. ورويدا رويدا , رأيت الموظفين يتحولون من الرفض المجنون , الى عدم الاستساغة , الى تقبل الواقع ببقايا سخرية .. صفقة أخرى غير مكتوبة عقدتها بينهم في صمت ... سيتركون لي القرار المطلوب .. وسأترك لهم سخريتهم ونكاتهم وثرثرتهم الفارغة بين المكاتب ..صفقة كتلك التي عقدتها يوما مع الفاسدين منهم طمعا في مزيد من الاستقرار

اليوم ... صار ابني واقعهم الذي لامفر منه

_______________________

الاغواء الأخير
شيء واحد اعتبرت نفسي عاجزا عن تحقيقه ... الخلود ... لاشيء يدوم للأبد ... التجاعيد, والشعر الأبيض , الارهاق المستمر الذي يداهمك عندما تبذل ذات المجهود الذي كنت تبذله قبلا دون أن تلاحظ ...انني حقا أشيخ ... ومعي تشيخ القرارت والأختام والعقلية الادارية الجبارة التي حسبتني أمتلكها

لازلت أسمع لهمس الموظفين خلف مكاتبهم ... يتحدثون عن الرحيل , والمدير المنتظر , يتصورون شكل المستقبل من بعدي ... كلامهم يصيبني بالمرض أكثر ... لا , ليست الأمور بتلك السهولة

حرصت على أن أبدو امامهم في أتم صورة وصحة ... أنا لاأمرض , ,لاأرهق , لاأشيخ ... أنا صورة دائمة الشباب .... صحيح أني لم أعد اظهر كثيرا أمامهم كالسابق ... لكنهم يعلمون أن العنتبلي دوما في مكتبه ... باق بالشركة ... يراهم من حيث لايشعرون
صورة ضبابية تتكون أمام عيني ... لم اعد ارى جيدا ... الصحة , والعمر ... تلك امور لاتصطنع ... الخوف ... لم يحن وقت الرحيل بعد ... لاأعرف عالما اخر احيا به سوى مكتب المدير ... لاأعرف زمنا ارغب في البقاء به سوى الأبد ,لأنني لم أعتد تغيير الأمور ... المرض والعمر ... يلتهمان المرء كلهب شمعة لم يبق من فتيلها الا الذبول

الخوف ثانية ... حديث الموظفين ثقيل مسموم ... ينتظرون كأنهم ضباع جائعة حول أسد مريض

مع انفاسي المتثاقلة ... بدأت اعرف الاغواء الأخير الذي قدمه لي كرسي الادارة بعد القوة, والتحكم , ولذة الرؤية بعين الطائر , الاغواء الذي يتراكم في النفس ببطء ... ليحولني الى ماصرت عليه الان ... شيخ يعجز عن ترك مكانه , يحارب لاثبات انه لازال حيا , وسيبقى

كالجدران والتاريخ واحجار الماضي ... سيبقى

كسليمان على عصاه يخيف الجان ... سيبقى

الاغواء الحقيقي ان تعجز عن ترك الكأس ... لأنك شربته حتى الثمالة
لازلت اسهر في مكتبي حتى وقت متأخر من الليل .. ذهني يتشوش اكثر , واعجز عن الرؤية دون النظارة التي أرتديها فقط عندما اختلي بنفسي , ورغم سمعي الذي يضعف يوما بعد يوم ...الا انه لازالت تصلني بانتظام همسات الموظفين , ونكاتهم ,و ضجيج مزعج صادر عن المخازن ... حيث الماكينات الجديدة التي كهنتها يوما
;