أيها الزائر قبري .... أتل ماخط امامك

Thursday, June 26, 2008

كارثة المترو

أحداث هذا البوست , خيالية والعياذ بالله
________________________

مطلوب رجال أمن ...0

بهذه العبارة الملطوعة بجوار شباك التذاكر .. استقبل المواطنون يومهم العادي , وهم يتجهون ببطء لقطع تذاكر المترو ...0
الحقيقة أنني - ومن موقعي كهذا كسائق عربة - صرت أتعامل مع كل مايخص العالم الخارجي (خارج العربة) بنفس المنطق الذي يتعامل به الأمريكان مع مايحدث في العالم خارج حدودهم الجغرافية ... تماما كجزيرة معزولة .. التوقف .. السير البطيء ... السير المتهور الذي يرج العربة رجا ... الفرملة .. التوقف .. فتح الأبواب و وانتظار بضع ثوان للتحميل .. كل ذلك صار روتينا يبدأ وينتهي عند نفس النقطة ... تلك التي لاتعلم بدايتها من نهايتها ولاتعلم ماهو الحدث الذي بدأ تلك الدائرة الطويلة الأبدية... تماما كما تجهل لمن كانت الأسبقية في الدخول لهذا العالم ..الدجاجة أم البيضة...0
"الأستاذ المحترم اللي ماسك الباب "
بصرامة أردد في مكبر الصوت لافتا نظر الراكب الممسك بالباب مانعا اياه من رحلة الانغلاق .. ربما يفعلها بدافع الشهامة .. بدافع الاستظراف .. دوافع لاتهمني في الوقت الحالي , ولايعنيني منها سوى أنني لاأملك متابعة السير وهو يعيق الباب بانتظار مرور مصر كلها لاتخام العربة

أنور السادات .. جمال عبد الناصر ... أحمد عرابي ... مبارك

يالله!!! متى يغيرون أسماء المحطات من باب دفع الملل على الأقل؟!0

(مطلوب رجال أمن)

انعزالي في عالم الطريق المرسوم ولوحات المحطات والأزرار والأنوار الملونة جعلني أرجيء رؤيتي لذلك الاعلان لحين فترة المساء والسهرة ... أعني بالتحديد تلك اللحظة التي أقرر فيها أن رحلة العودة للمنزل قد حانت .. وأنني صرت حرا خارج قيود قضبان المترو ... لطالما أحببت المناوبات المسائية ... عالم الليل لازال هادئا مريحا تدعمه الأنوار الصناعية الزاعقة بعيدا عن حر الشمس وزحام الناس المحموم لللحاق بأعمالهم ... في الصباح يكونون أكثر قلقا , أقصر فتيلا , أكثر سعارا بفعل الضغوط التي يولدها الحر .. والشمس .. وعقارب الساعة المتحركة ببطء نحو موعد الامضاء في دفاتر الحضور
(مطلوب رجال أمن)
في الفترة السابقة .. بدأت تزداد المعارك على بوابات المرور ... لازال الناس يحاولون التحايل على بصيرة المراقب ويفرون من قطع التذاكر ... البعض يستغل العابرين في أمان الله .. ويلتصقون بهم في لحظة المرور ليصيران كائنا واحدا ... رجل برأسين وأربع سيقان وخصرين ملتحمين التحاما مهينا... وعندما يعبر هذا الكائن الغريب الضفة الأخرى بنجاح , ينفصل الى اثنين من بني الانسان يقوم أحدهما بالاعتذار للآخر ويهرع للحاق بالعربة الموشكة على الرحيل
"لامؤاخذة ياأستاذ"

الجمهرة أمام الأبواب الاكترونية تعني أن أحدهم قد ضبط وهو يحاول التعامل مع البوابات كما يفعل الرياضين في سباق الحواجز

"عشرة جنيه يامحترم"

الغرامة الفورية عقوبة لابأس بها أبدا ... الغرامة بعشر أمثالها ... الرجل المضبوط يهلل ويقسم بأغلظ الأيمان أن التذكرة قد انحشرت في الجهاز وغاصت في أحشائه للأبد ... لكن المراقب المتحمس يجيد معرفة الكذب ويجيد تشخيص الأجهزة الشفاطة للتذاكر ويجيد تكرار الردود بشكل أكثر غلظة

"عشرة جنيه ياأكتع"

هذه المشاهد مألوفة متكررة لحد الملل ... وكان الاعلان عن الحاجة لرجال أمن لفتة طريفة من ادارة المترو لمحاولة السيطرة على محاولات التزويغ الناجحة من فخ التذاكر والغرامة والمراقب العريض

لكن الأكثر طرافة .. هو مابدأ يحدث في الأيام التالية

يخبرني رفاقي في المناوبات الصباحية (بحكم أنهم أقوى ملاحظة وأقرب لزحام الأحداث) بنتائج الاعلان ... أناس عاديين بمختلف المؤهلات بدأوا يتقدمون للادارة طمعا في الفوز بتلك الوظيفة ... أنا متأكد أني لم ألمح عبارة مثل (مرتبات مغرية) مرفقة بالاعلان... المدهش والمضحك أن من بين من يتقدمون لوظيفة رجال الأمن بعض المضبوطين بتهمة التهرب من دفع التذكرة

زوبعة قررت أنها ستمر في صمت .. سأعتادها كما اعتدت اضافة الخطوط في مسار الرحلة .. واضافة التعديلات على العربات .. واضافة الضرائب على الجميع ... في الأيام التالية بدأت أرى التغيير بدلا من السماع عنه من مناوبي الصباح

للمرة الأولى منذ تسلمت عملي بالمترو .. وجدت رجال أمن بملابس رمادية وهراوات سوداء ..ينتشرون في كل أجزاء المترو .. على منافذ التذاكر .. بوابات المرور .. أبواب الدخول الخارجية .. وحتى عربات المترو
واضح ان الادارة لم تكن تمزح بشأن الاعلان .. بعد فترة تحدد الطاقم الأمني الجديد للمترو .. وتولى قيادته أكبرهم سنا (وأكبرهم جسما وكفا بالمناسبة) .. اسمه (الكابتن عويس)0

المثير أن العساكر التقليدين .. أولئك السمر الغلابة ممصوصي القوام ذوي الزي العسكري الأبيض قد اختفوا نهائيا , كأن مشروع المترو لم يعد تابعا للحكومة .. فقررت رفع يدها عنه

يبدو أن المترو قد تمت خصخصته أخيرا!!0

هكذا!! .. بدون اشارات .. أو تمهيد أو عرض على مجلس الشعب؟... هل صارت الأمور هكذا تدار ... في السكون .. دون ضجيج حتى لايعترض أحد ؟!!! 0

"ياخوفي يابدران ليكون الدور علينا"
شلبي , زميلي الخائف دائما يستعيذ بالله ويبصق عن يساره ويمينه من باب زيادة التأكيد

"محدش عارف الشيطان بقى بيقعد في أنهي جنب دلوقتي"

حقا !!..الى أين نذهب لو قررت الادارة الجديدة التخلي عنا ؟.... ماذا يكون مصيرنا ... ؟... هل سيستعيضون عنا بمترو يعمل بالعقل الالكتروني ؟!!0
لكن الأيام التالية مرت بهدوء دون أن تظهر أي بادرة أو مؤشر لأي تبديل سوى في الحراسة

وقد بدأت الاحتكاكات بين الأمن وجمهور الركاب بعدما اطمأن الجميع لثبات أقدامهم في المكان .. وبعدما منحت الادارة رجال الأمن الجدد والكابتن عويس صلاحية مطلقة للسيطرة الأمنية الكاملة على المترو وضبط أي مخالفات

"تذكرتك ياأستاذي ..؟"

واحد من المضبوطين على البوابات متلبسا بمحاولة المرور قفزا .. يستوقفه حارسان في ظفر .. يتلجلج الرجل .. ان داء الانحراف لن يتوقف حتى تقوم الساعة

"فيه غلط ... التذكرة مرفوضة والباب مابيفتحش ..."

"طب بس وريهاني .."

"ياعم بقولك مرفوضة ... انا رميتها"

"انا اللعبة دي كنت بلعبها زمان ياروح أمك"

يمسك أحد الحارسين بياقة الرجل بشكل مهين .. ويبدأ في اجتذابه بعيدا عن البوابات ليبدأ الرجل في الصراخ

"أوعى.... نزل ايدك دي..."

يتملص الرجل محاولا الافلات .. والعبارات الغاضبة تتناثر من فمه .. وجمهور الركاب يتوقف للحظات متابعا الصراع في شغف ... تلك أشياء لاتراها كل يوم ... يهوي أحد الحارسين على وجهه بلطمة ألقته أرضا .. بينما الثاني يتناول هراوته السوداء وينقض بها ليختم الجولة

ضربة واحدة كافية لكن الحارس يستمر بالضرب عدة مرات .. ونظرة غريبة تلتمع في عينيه...0

لابد أن صدى الشهقات والتحطيم قد وصل لأسماع الكابتن عويس ليقترب من دوامة الأحداث ... ينظر للواقفين ثم يمسح المشهد بعينيه لتحليل الموقف ,ويتأمل الجسد المحطم النازف أرضا .. ينحني بجواره ليردد

"طول ماأمثالك موجودين عمر البلد دي ماهتنضف "

يأمر رجاله بطلب الاسعاف ... ثم ينظر لأكوام البشر المتناثرة في صرامة ليصيح

"يلا ياأفندية .. كل واحد يشوف مصلحته فين"

هؤلاء العساكر المتحمسين يشاهدون الكثير من الأفلام الأمريكية العنيفة ... لازالت آثار الدماء المخيفة على الأرض تغري بالتساؤل .. ماذا أفعل لو كنت مكانه؟ ... أين يذهب حقي؟ ... لا ...أنا لن أفعل هذه الأشياء المخزية .. ان الجنيه الذي تدفعه لثمن رخيص عندما تشتري به كرامتك

أشهد أن سيطرة الكاتن عويس ورجاله كانت فعالة في الحد من ظاهرة التزويغ .. لكن ... كم حادثا تحتاجه كل محطة من محطات المترو كي تندثر الظاهرة نهائيا ..؟!0

كان هذا هو الحادث الوحيد الذي رأيته رأي العين ... لكن كلاما يصلني من العربة خلفي مباشرة يؤكد لي الحقيقة ...

هذا ليس الحادث الوحيد ...0

أتذكر منظر الدماء .. ويقشعر بدني ... ثم أتناسى الأمر مرددا الشعار الوطني المحبب

مادام بعيد عن ......... كابينتي .. خلاص ...0
______________________________________

ثمة حارس جريح فاقد الوعي شوهد ملقى في الحمام وقد فقد عصاه

من يجروء؟!!0

لماذا سرقت العصا ؟!! .. ولماذا ضرب الحارس بتلك الوحشية ؟!!0

ثارت ثائرة الكابتن عويس ... ثمة تصعيد قد حدث ... ان من يضرب واحدا من رجاله هو رجل قررت شمس الغد ألا تطلع عليه .. لسوف يأتي به الكابتن عويس .. سيلتهمه كآكلي البشر الجوعى ,ويسترد هيبة جهاز الأمن في المترو ..... يتوعد ويهدد .. وينظر للناس نظرة شريرة .. كأن المجرم واحد مندس وسطهم .. ثم يذهب الى أحد المكاتب ... يغيب بداخله لدقائق ويخرج بعدها بنظرة توعد غاضبة ليقول
"اقفلوا المترو... خلاص .... مفيش ركوب .. مفقيش مصالح ..مشاوير النهاردة ... بح"

يذكره رجاله بأن اغلاق المترو واخلاؤه من رواده قد يكون عملا لاينطوي على الحكمة ... تضيق عيناه أكثر ليردد بحزم

"ومين قالك هانخلي المترو؟"

ينظر للجمهور المزدحم أمام البوابات ليكمل

"احنا هنقفل المترو ع اللي فيه"

لقد جن جنون الرجل ... وبات يتعامل مع الأمر كسرقة محل المجوهرات التي شاهدها كثيرا في الأفلام ... ان اللص بيننا وبحوزته جوهرة نجمة الصباح والتفتيش المنظم سيجعل وقوعه في أيدينا مسألة وقت

يغلق المترو؟!!!!0

كيف يفكر بالظبط هذا المخبول؟!!!0

لكن الدقائق التي مرت أكدت أنه جاد بدرجة كافية تسمح له بتنفيذ جنونه ...0

في سابقة فريدة توقفت عربات المترو في كل المحطات عن العمل في فترة الذروة ... ونزل الناس من العربات متسائلين بشأن ذلك النداء الذي خرج من مكبرات الصوت

"حضرات الركاب برجاء النزول من العربات ... حضرات الركاب برجاء ترك العربات"

الناس في حالة عدم وعي ... أكثرهم تفاؤلا ينتظر بالقرب من الباب باعتبار المسألة مسألة دقائق يعودون بعدها للنظام الذي ألفوه منذ عرفت أقدامهم طريق المترو

لكن الصدمة المباشرة كانت من نصيب أولئك الذين قرروا الخروج لسطح الأرض

كانت البوابات الخارجية مغلقة تماما

صار المترو سجنا كبيرا يضم التعساء الذين تصادف وجودهم داخله في ذلك الوقت

رجال الكابتن عويس يدورون بين الجمهور ويجردونهم من متاعهم ويفتشونها في غلظة ... ان هدفهم مجرد عصا سوداء يحملها الفاعل الشقي

اشتباكات جسدية صريحة بين الحراس والجمهور ... والضرب والصراخ صار مألوفا بعد ساعات

هذا اليوم لن ينتهي أبدا

بنشاط بالغ ينتقل الكابتن عويس بين المحطات ليصير هو الراكب الوحيد في المترو الذي يستطيع الانتقال بين محطة وأخرى في دقائق معدودة مهما بعدت المسافات كلما أبلغه رجاله بمشتبه فيه تم ضبطه في محطة ما... كنت تقريبا السائق التعس الذي انفرد به الكاتن عويس في أغلب الأوقات .. لنجري في عالم ماتحت الأرض .. في الممرات المظلمة الطويلة
صارت خطوط المترو مسخرة بالكامل لخدمة رجل واحد ألهبه الغضب الحيواني المسعور

الحظ السيء هو ماجعلني أتوقف في نفس المحطة التي تواجد هو فيها لحظة اصداره القرار المتهور

مرت ساعاتان دون أن يتغير الوضع ... واعتراضات الناس ... تحولت مع الوقت لهمهمات معترضة غير واضحة المعالم ... وآخرين يئسوا من الاتصال بكبار البلاد الذي يعرفونهم في الخارج ... ان من يحتاج لوساطة .. لن يحصل عليها الا من داخل المترو

" يابخت من كان الكابتن عويس خاله"

الصوت المتحشرج يتصاعد من لاسلكي الكابتن عويس .. لتتضح معالمه بعد ثوان

" مشتبه فيه في محطة العتبة ياباشا"

__________________________

أحيانا أخاف من نفسي عندما أراقبها تتمادى في الخطأ بحجة تنفيذ الأوامر العليا .. ولو كنت أملك حق الاعتراض .. لفضّلت ترك العربة

__________________________

أوصلت الكابتن عويس لمحطة العتبة ... وسمحت لنفسي بالنزول لرؤية المتهم المضبوط
كان رجلا متوسط العمر قصير القامة أميل للبدانة .. يمسك بحقيبة رياضية لبنية اللون ويقف مقيدا وسط حشد من الحرس الظافرين .. وأحدهم يمسك بالحقيبة ليناولها للكابتن عويس الذي التقطها برصانة وقلب محتوياتها ليستخرج منها (ننشاكو) أسود اللون .. تأمله لدقيقة بين يديه بنظرة مستاءة ... ان رجاله البهائم لم يعرفوا الفارق بين الننشاكو الصيني والهراوة السوداء التي تسلموها في يومهم الأول .. لكنه لوّح بالأداة المضبوطة في وجه القصير ليقول

"شنطتك دي؟"

"انا عايز أعرف انتوا ماسكيني ليه"
ان كل ماكان يهم الكابتن عويس في تلك اللحظة كان القبض على المعتدي المجهول .. لا البحث عن أسلحة مشكوك في هويتها

"انت مش عارف ان شيل السلاح ممنوع؟"

"دة مش سلاح سعادتك"

يمسك بطرف الننشاكو .. ثم يطوح فجأة بالسلسة المتدلية في نهايتها ليوجه بالطرف الآخر صدمة موفقة لخصية الرجل وهو يصرخ

"سلاح دة ولا مش سلاح؟!!0"

يحتقن وجه القصير ويهوي أرضا ممسكا بضاعته الغالية في ألم مخيف .. يقول بصوت ممزق

"دي مش حاجتي ... دي شنطة ابن أخويا ... هوة مستنيني برة"

يشير له الكابتن عويس في تعالي

"قوم على حيلك ... قوم"
القصير المرمي يجاهد لالتقاط أنفاسه .. ثم يشير الى الحقيبة ويحاول اتمام جملة مفهومة

"ال..البخاخة ... أبوس ايدك ... حسا...أنا عندي حساسية"

" والحساسية دي بتجيلك من الخضة؟"

لازال الرجل عند ساقه يتوسل ويحارب للتنفس .... واحد يقترب من الجمع ليقول بلهجة خطرة

"ياجماعة الحقوه .. صدره قفل ... دة عاوز مستشفى"

ينظر له الكابتن عويس بصرامة

"انت ابن أخوه؟"

"لأ ... بس.. "

"خليك بعيد أحسن"

القصير يشير بيده في ضراعة .. وصار تمييز كلماته أصعب وهو يردد في ضراعة

" البخاخة .. أنا في عرضك"

بدأ الجمهور يقترب .. وبعض النسوة شهقن وهم ينظرن للرجل ... لست أكيدا من سلامة عيني .. لكني أرى لونه يتحول للأزرق ... الأعين المتسعة تحدق بالرجل ثم تنتقل للكابتن عويس

ياجدع اعمل حاجة الرجل هيموت .... انتوا أرواح الناس ببلاش عندكم ؟!!... ياناس ياعالم ... عايزين دكتور... انت بني آدم عديم الاحساس .. يالهوي دة بيموت!! ... يلعن أبوكم انتوا ايه؟!!!0 ...

العجيب أن واحدا لم يتحرك للنجدة ... واكتفوا بالتوقف والمراقبة والاستنكار .. ولدقائق نسيت أني تحولت الى متفرج معهم .. بلا حركة أو فعل .. أنتظر من أحدهم فعل شيء ما .. أي شيء ... انقاذ الرجل المريض ... الهجوم على الكابتن عويس ورجاله ... تحطيم أبواب المترو المغلقة .. أي شيء .. أي شيء ... مشهدنا ونحن نتأمل الموقف بعيون منبهرة أعلمني بشيء واحد ..0

ان الرجل الذي سينقذنا .. لن يأتي أبدا...لأنه ينتظر معنا

ببلادة نتابع المشهد ... الرجل يتهاوى ويزرق أكثر .. والكابتن عويس يقف أمامنا عاقدا ذراعيه في ثقة ...والحرس ينتظرون الأوامر دون أن يبدوا على ملامحهم الى أي الفرق ينتمون... ونحن نتساءل .. هل مانراه أمامنا .. يحدث حقا؟!!0
يلقي الكابتن عويس بالننشاكو أرضا .. ثم يجول ببصره في الجمع بنظرات حادة ازاء نظرات الناس الغاضبة المتهمة .. يشير لي ببرود قائلا
"ارجع على رمسيس ياأسطى"
اللحظات التي تقضيها واقفا أمام قنبلة موقوتة تمر كصورة بطيئة ... وهنا لاتدري موقع القنبلة اذا كانت هي الكابتن عويس بلهجته الآمرة , أم الجمهور الغاضب ... اتراجع للعربة .. وافتح الأبواب ليدخل الكابتن عويس نظرات الناس لاأدري اذا كانت تطاردني أم تطارد الكابتن عويس .. لكني أكره البقاء معه في سلة واحدة ... الناس يقتربون من العربة المفتوحة .. يحاولون الدخول لكن الكابتن عويس يصيح بهم في صرامة
"مكانك .. كل واحد يفضل مكانه"
أغلق الباب مستعدا للانطلاق .. انظر للمشهد من جديد .. الرجل المريض لازال يصارع بعد أن ناوله بعضهم البخاخة ... يحاول التقاط أنفاسه بلا جدوى ... بعضهم يصوب نظرات حقودة الى العربة .. وحركة شفاههم أعلمتني أي الشتائم يطلقون ... الكابتن عويس يطرق الزجاج الفاصل بيننا ليردد
"ماتطلع .. احنا هاننام هنا؟!!0"
أعرف أن رجوعنا للمحطة الرئيسية لن يكون النهاية ... سيكون بداية متجددة لحدث متكرر ... الكابتن عويس سيجوب المحطات .. والناس ستنتظر حتى يجد بغيته .. أو تهبط الرحمة في قلبه
أنظر للأزرار ... هذا الرجل سيمضي في سحقنا جميعا دون أن يطرف له جفن ... بحكم منصبه ... بحكم مسئولية تأمين المترو ربما ... بحكم كل هؤلاء الحرس المنتظرين في خدمته ... بحكم السيطرة الممنوحة بلا حدود
أتطلع للأزرار مليا
السيطرة .. هي كل شيء
طرقات عصبية على الكابينة ولهجة الكابتن عويس الحاسمة المستفزة تغمر حواسي لأغرق في احساس كريه من الجبن .. ورهبة الصوت العالي , والاحساس بالعجز والضآلة .. آخذ شهيقا .. أقترب من مكبر الصوت بالروح العدوانية المفاجئة التي أشعلها الضجيج
"الأستاذ المحترم اللي بيخبط ع القزاز"
وقبل أن يستوعب الكلمة .. كنت أضغط الزر الصحيح من البداية
زر فتح الأبواب
تفتح جميع الأبواب أمام الجمهور الذي توقفوا لدقائق محاولين فهم حقيقة الموقف بعد ان اعتادوا البقاء في المحطات .. الكابتن عويس يطرق على الزجاج في غضب استحال جنونا مع مرأى الناس تقترب من مدخل العربة
"اطلع ياحيوان ... بقولك اطلع ... مكانك انت وهوة"
الناس الواقفين على وشك الدخول يرمقون الكابتن عويس بذات النظرات الغاضبة ... شيء غامض يمنعهم من ركوب العربة .. صراخ الكابتن عويس .. تلويحه بالعصا ... حالة من عدم التصديق ... ينظرون لبعضهم البعض .. كأنهم يدعون بعضهم بعضا للدخول .. يقترب الكابتن عويس من الزجاج الفاصل بيننا ويطرقه بعصبية بهراوته السوداء .. الزجاج يكاد ينهار من شدة الضربات ..ينتوي الدخول للعربة للفتك بي ... الزجاج يتشقق أكثر وأكثر ..يصرخ بأعلى صوته في جنون كامل
"اقفل الباب بقولك .. اطلع ....
......اطلع
....اطلع"

;